ثم دخلت سنة ست وعشرين ومائتين

فيها وثب علي بن إسحاق بن يحيى بن معاذ ، وكان على المعونة بدمشق من قبل صول أرتكين علي بن رجاء ، وكان على الخراج ، فقتله وأظهر الوسواس ، ثم تكلم فيه أحمد بن أبي دؤاد ، فأطلق من محبسه .

وفيها مات ( محمد بن ) عبد الله بن طاهر فصلى عليه المعتصم .

ذكر موت الأفشين

وفيها مات الأفشين ، وكان قد أنفذ إلى المعتصم يطلب أن ينفذ إليه من يثق به ، وأنفذ إليه حمدون بن إسماعيل ، فأخذ يعتذر عما قيل فيه ، وقال : قل لأمير المؤمنين إنما مثلي ومثلك كرجل ربى عجلا حتى أسمنه ، وكبر ، وكان له أصحاب يشتهون أن يأكلوا من لحمه ، فعرضوا بذبحه ، فلم يجبهم ، فاتفقوا جميعا على أن قالوا : لم تربي هذا الأسد ، فإنه إذا كبر رجع إلى جنسه ؟ ! فقال لهم : إنما هو عجل ، فقالوا : هذا أسد ، فسل من شئت . وتقدموا إلى جميع من يعرفونه ، وقالوا لهم : إن سألكم عن العجل ، فقولوا له : إنه أسد ، وكلما سأل إنسانا قال : هو سبع ، فأمر بالعجل ، فذبح ، ولكني أنا ذلك العجل كيف أقدر أن أكون أسدا ؟ الله الله في أمري .

قال حمدون : فقمت عنه ، وبين يديه طبق فيه فاكهة قد أرسله المعتصم مع ابنه الواثق ، وهو على حاله ، فلم ألبث إلا قليلا حتى قيل إنه يموت ، أو قد مات ، فحمل إلى دار إيتاخ ، فمات بها ، وأخرجوه ، وصلبوه على باب العامة ليراه الناس ، ثم ألقي وأحرق بالنار ، وكان موته في شعبان .

قال حمدون : وسألته هل هو مطهر أم لا ؟ فقال : ( إلى مثل هذا الموضع ) إنما قال لي هذا ، والناس مجتمعون ، ليفضحني إن قلت نعم ، قال : تكشف ، والموت كان أحب إلي من أن أتكشف بين يدي الناس ، ولكن إن شئت أتكشف بين يديك حتى تراني ، فقلت له : أنت صادق ، فلما انصرف حمدون وبلغ المعتصم رسالته أمر بقطع الطعام والشراب عنه ، إلا القليل ، حتى مات .

قال : ولما أخذ ماله رأى في داره بيت تمثال لإنسان من خشب عليه حلية كثيرة وجوهر ، وفي أذنيه حجران مشتبكان ، عليهما ذهب ، فأخذ بعض من كان مع سليمان أحد الحجرين وظنه جوهرا ، وكان ذلك ليلا ، فلما أصبح نزع عنه الذهب ، ووجده شيئا شبيها بالصدف يسمى الحبرون ، ووجدوا أصناما وغير ذلك ، والأطواف الخشب التي أعدها ، ووجدوا له كتابا من كتب المجوس ، وكتبا غيره فيها ديانته . ذكر وفاة الأغلب وولاية أبي العباس محمد بن الأغلب إفريقية وما كان منه

في هذه السنة ، في ربيع الآخر ، ( توفي الأغلب بن إبراهيم يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر من هذه السنة ، وكانت ولايته سنتين وسبعة أشهر وسبعة أيام .

ولما توفي ) ولي أبو العباس محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب بلاد إفريقية بعد وفاة والده ، ودانت له إفريقية ، وابتنى مدينة بقرب تاهرت سماها العباسية في سنة تسع وثلاثين ومائتين ، فأحرقها أفلح بن عبد الوهاب الإباضي ، وكتب إلى الأموي ، صاحب الأندلس ، يعلمه ذلك ، فبعث إليه الأموي مائة ألف درهم جزاء له على فعله .

وتوفي محمد بن الأغلب يوم الاثنين غرة المحرم من سنة اثنتين وأربعين ومائتين ، وكانت ولايته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وعشرة أيام . ذكر عدة حوادث

في هذه السنة زلزلت الأهواز زلزلة شديدة ، خمسة أيام ، وكان مع الزلزلة ريح شديدة ، فخرج الناس عن منازلهم ، وخرب كثير منها .

وفيها حج بالناس محمد بن داود ، أمره أشناس بذلك ، وكان أشناس حاجا ، وقد جعل إليه ولاية كل بلد يدخله ، وخطب له على منابر مكة والمدينة وغيرهما من البلاد التي اجتاز بها بالإمرة إلى أن عاد إلى سامرا . وفيها:

ما ذكر ابن حبيب الهاشمي في ليلة الاثنين النصف من جمادى الآخرة: مطر أهل تيماء مطرا وبردا كالبيض ، فقتل بها ثلاثمائة وسبعين إنسانا ، وهدم دورا ، وسمع في ذلك صوت يقول: ارحم عبادك ، اعف عن عبادك ، ونظروا إلى أثر قدم طولها ذراع بلا أصابع وعرضها شبرين ، من الخطوة إلى الخطوة خمسة أذرع أو ست ، فاتبعوا الصوت ، فجعلوا يسمعون صوتا ولا يرون شخصا .

التالي السابق


الخدمات العلمية