ذكر
من توفي في هذه السنة من الأكابر بشر بن الحارث المعروف بالحافي
بشر بن [الحارث بن] عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان ، أبو نصر ، المعروف بالحافي .
مروزي ، ولد بمرو ، وسكن بغداد ، وفاق أهل عصره في الورع والزهد وحسن الطريقة ، وسمع إبراهيم بن سعد ، ومالك ، وحماد بن زيد ، وابن المبارك ، وخلقا كثيرا ، وشغله التعبد عن الرواية ، فلم يتنصب لها .
وعن محمد بن المثنى قال: قلت لأحمد بن حنبل: ما تقول في هذا الرجل؟ فقال: أي الرجال؟ فقلت: بشر ، قال:
سألتني عن رابع سبعة من الأبدال ، ما مثله عندي إلا مثل رجل ركز رمحا في الأرض ، ثم قعد منه على السنان ، فهل ترك لأحد موضعا يقعد فيه؟
وقال أبو حامد بن خالد الحذاء : سمعت إبراهيم الحربي يقول:
ما أخرجت بغداد أتم عقلا ولا أحفظ للسانه [من بشر بن الحارث] ، كان في كل شعرة منه عقل ، وطئ الناس عقبه خمسين سنة ، ما عرف له غيبة لمسلم ، لو قسم عقله على أهل بغداد صاروا عقلاء ، وما نقص من عقله شيء .
وقال أبا عمران الوركاني : تخرق إزار بشر ، فقالت له أخته: يا أخي ، قد تخرق إزارك ، وهذا البرد ، فلو جئت بقطن حتى أغزل لك ، قال: فكان يجيء بالأستارين والثلاثة فقالت له: إن الغزل قد اجتمع ، أفلا تسلم إزارك إن أردت السرعة؟ فقال لها: هاتيه ، فأخرجته إليه ، فوزنه وأخرج ألواحه وجعل يحسب الأساتير ، فلما رآها قد زادت فيه قال: كما أفسدتيه فخذيه .
قال المروزي: وسمعت بعض القطانين يقول: أهدى إلي أستاذ لي رطبا وكان بشر يقيل في دكاننا في الصيف ، فقال له أستاذي: يا أبا نصر ، هذا من وجه طيب ، فإن رأيت أن تأكله ، قال: فجعل يمسه بيده ، ثم ضرب بيده إلى لحيته ، وقال: ينبغي أن أستحي من الله ، إني [عند الناس] تارك لهذا وآكله في السر .
وقال أبو حفص عمر ابن أخت بشر الحافي : حدثتني أمي قالت: جاء رجل إلى الباب فدقه فأجابه بشر: من هذا؟ قال: أريد بشرا ، فخرج إليه فقال له: حاجتك؟ قال: عافاك الله ، أنت بشر؟ قال: نعم ، حاجتك؟ قال: إني رأيت رب العزة [تعالى] في المنام وهو يقول: اذهب إلى بشر فقل له: يا بشر ، لو سجدت على الجمر ما أديت شكري فيما قد بثثت لك - [أو نشرت لك] - في الناس . فقال له: أنت رأيت ذلك ؟ قال: نعم رأيته مرتين ، ليلتين متواليتين فقال: لا تخبر به أحدا ، ثم دخل وولى وجهه إلى القبلة ، وجعل يبكي ويضطرب ، وجعل يقول: اللهم إن كنت شهرتني في الدنيا ، ونوهت باسمي ، ورفعتني فوق قدري على أن تفضحني في القيامة ، فعجل الآن عقوبتي ، خذ مني بمقدار ما يقوى عليه بدني .
قال المصنف: وقد جمعت كتابا فيه فضائل بشر الحافي وأخباره؛ فلهذا اقتصرت على ما ذكرت ها هنا كراهية للإعادة [والتطويل] .
توفي بشر في هذه السنة عشية الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأول من سنة سبع وعشرين ، قبل موت المعتصم بستة أيام ، وقد بلغ من السن خمسا وستين سنة .
يقول أحمد بن زهير : سمعت يحيى بن عبد الحميد الحماني يقول: رأيت أبا نصر التمار ، وعلي بن المديني في جنازة بشر بن الحارث يصيحان في الجنازة: هذا شرف والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة ، وذلك أن بشر بن الحارث [وقد] أخرجت جنازته بعد صلاة الصبح ، ولم يجعل في قبره إلا في الليل ، وكان نهارا صائفا ، ولم يستقر في القبر إلى العتمة .
عريب
عريب
ولدت في سنة إحدى وثلاثين ومائة ، وكانت أمها تسمى فاطمة ، وكانت يتيمة ، فتزوجها جعفر بن يحيى بن خالد ، فأنكر عليه أبوه وقال [له:] أتتزوج من لا يعرف له أب ولا أم ، اشتر مكانها ألف جارية ، فأخرجها وأسكنها دارا في ناحية الأنبار سرا من أبيه ، ووكل بها من يحفظها ، وكان يتردد إليها ، فولدت عريب ، وماتت أم عريب في حياة جعفر ، فدفعها إلى امرأة نصرانية وجعلها داية لها ، فلما حدثت بالبرامكة تلك الحادثة باعتها من سنبس النخاس ، فباعها ، فاشتراها الأمين وافتضها ولم يوف الثمن ، حتى قتل ، فرجعت إلى سيدها ، ثم اشتراها المأمون ، فمات الذي اشتريت منه عشقا لها ، ثم بيعت في ميراث المأمون ، فاشتراها المعتصم بمائة ألف وأعتقها فهي مولاته ، وكانوا إذا نظروا إلى قدمي عريب شبهوها بقدم جعفر بن يحيى ، وكانت عريب شاعرة ، ومليحة الخط ، وغاية في الجمال والظرف ، ثم كانت مغنية محسنة ، صنعت ألف صوت ، وكانت شديدة الفطنة والذكاء ، كتبت إلى بعض الناس: أردت ، ولولا ، ولعل .
فكتب تحت أردت: ليت ، وتحت لولا: ماذا ، وتحت لعل: أرجو ، فقامت ومضت إليه .
توفيت عريب في هذه السنة .
قراطيس أم الواثق
[قراطيس ، أم الواثق .
خرجت إلى الحج ، فماتت بالحيرة ، لأربع خلون من ذي القعدة ، ودفنت بالكوفة في دار داود بن عيسى] .
أبو الأحوص البغوي
محمد بن حيان ، أبو الأحوص البغوي .
حدث عن إسماعيل بن علية ، وهشيم ، وغيرهما وروى عنه: أحمد بن حنبل وغيره ، وآخر من روى عنه عبد الله بن محمد البغوي ، وكان ثقة .
توفي في هذه السنة في ذي الحجة .
أبو جعفر البزاز ويعرف بالدولابي
محمد بن الصباح ، أبو جعفر البزاز ، ويعرف بالدولابي .
سمع إبراهيم بن سعد ، وهشيم بن بشير ، وغيرهما ، روى عنه: أحمد بن حنبل ووثقه ، ولم يختلفوا في ذلك .
وتوفي يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة خلت من شهر الله المحرم من هذه السنة ، وقد جاوز السبعين .
وممن توفي فيها من الأعيان :
أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي .
وإسماعيل بن عمرو البجلي .
وسعيد بن منصور .
صاحب السنن المشهورة التي لا يشاركه في مثلها إلا القليل .
وله سنن أيضا .
وأبو الوليد الطيالسي .