ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائتين
ذكر
الحرب مع بني نمير
في هذه السنة سار بغا الكبير إلى بني نمير ، فأوقع بهم .
وكان سبب ذلك أن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير الخطفى امتدح الواثق بقصيدة ، فدخل عليه ، وأنشده ، فأمر له بثلاثين ألف درهم ، فأخبر الواثق بإفساد بني نمير في الأرض ، وإغارتهم على اليمامة وما قرب منها ، وكتب الواثق إلى بغا يأمره بحربهم وهو بالمدينة ، فسار نحو اليمامة ، فلقي من بني نمير جماعة بالريف فحاربهم ، فقتل منهم نيفا وخمسين رجلا ، ( وأسر أربعين رجلا ) .
ثم سار حتى نزل مرأة ، وأرسل إليهم يدعوهم إلى السمع والطاعة ، فامتنعوا ، وسار بعضهم إلى نحو جبال السود ، وهي خلف اليمامة ، وبث بغا سراياه فيهم ، فأصابت منهم ، ثم سار بجماعة ممن معه ، وهم نحو ألف رجل ، سوى من تخلف في العسكر من الضعفاء والأتباع ، فلقيهم وقد جمعوا لهم وهم نحو ثلاثة آلاف بموضع يقال له : روضة الأمان ، على مرحلة من أضاخ ، فهزموا مقدمته ، وكشفوا ميسرته ، وقتلوا من أصحابه نحو مائة رجل وعشرين رجلا ، وعقروا من إبل عسكره نحو سبع مائة بعير ، ومائة دابة ، وانتهبوا الأثقال ، وبعض الأموال ، ثم أدركهم الليل ، وجعل بغا يدعوهم إلى الطاعة .
فلما طلع الصبح ورأوا قلة من مع بغا عبأوا ، وجعلوا رجالتهم أمامهم ، ونعمهم ومواشيهم وراءهم ، وحملوا على بغا ، فهزموه ، حتى بلغ معسكره ، وأيقن من معه بالهلكة .
وكان بغا قد أرسل من أصحابه مائتي فارس إلى طائفة منهم ، فبينا هو قد أشرف على العطب ، إذ وصل أصحابه إليه منصرفين من وجوههم ، فلما نظر بنو نمير ورأوهم قد أقبلوا من خلفهم ولوا هاربين ، وأسلموا رجالتهم ، وأموالهم ، فلم يفلت من الرجالة إلا اليسير ، وأما الفرسان فنجوا على خيلهم .
وقيل : إن الهزيمة كانت على بغا مذ غدوة إلى انتصاف النهار ، ثم تشاغلوا بالنهب ، فرجع إلى بغا من كان انهزم من أصحابه ، فرجع بهم ، فهزم بني نمير ، وقتل فيهم من زوال الشمس إلى آخر وقت العصر زهاء ألف وخمس مائة راجل ، وأقام بموضع الواقعة ، فأرسل أمراء العرب يطلبون الأمان ، فأمنهم ، فأتوه ، فقيدهم ، وأخذهم معه إلى البصرة ، وكانت الواقعة في جمادى الآخرة .
ثم قدم واجن الأشروسني على بغا في سبع مائة مقاتل ، مددا له ، فسيره بغا في آثارهم ، حتى بلغ تبالة من أعمال اليمن ، ورجع .
وكان بغا قد كتب إلى صالح أمير المدينة ليوافيه ببغداذ ( بمن عنده من فزارة ، ومرة ، وثعلبة ، وكلاب ، ففعل ، فلقيه ببغداذ ) ، فسارا جميعا ، وقدم بغا سامرا بمن بقي معه منهم ، سوى من هرب ومات وقتل في الحروب ، فكانوا يزيدون على ألفي رجل من نمير ، وكلاب ، ومرة ، وفزارة ، وثعلبة ، وطيء . ذكر
عدة حوادث
في هذه السنة أصاب الحجاج في العود عطش عظيم ، فبلغت الشربة عدة دنانير ، ومات منهم خلق كثير .
( وفيها غدر موسى بالأندلس ، وخالف على عبد الرحمن بن الحكم أمير الأندلس ، بعد أن كان قد وافقه ، وأطاعه ، وسير إليه عبد الرحمن جيشا مع ابنه محمد .
مجاعة شديدة بالأندلس
وفيها كان بالأندلس مجاعة شديدة ، وقحط عظيم ، وكان ابتداؤه سنة اثنتين وثلاثين ، فهلك فيه خلق كثير من الآدميين والدواب ، ويبست الأشجار ، ولم يزرع الناس شيئا ، فخرج الناس هذه السنة يستسقون ، فسقوا ، وزرعوا ، وزال عن الناس القحط ) .
تولية إبراهيم بن محمد بن مصعب
وفيها ولي إبراهيم بن محمد بن مصعب بلاد فارس .
غرق كثير من الموصل
( وفيها
غرق كثير من الموصل [ وهلك ] فيها خلق ، قيل : كانوا نحو مائة ألف إنسان ، وكان سبب ذلك أن المطر جاء بها عظيما لم يسمع بمثله ، بحيث أن بعض أهلها جعل سطلا عمقه ذراع في سعة ذراع ، فامتلأ ثلاث دفعات في نحو ساعة ، وزادت دجلة زيادة عظيمة ، فركب الماء الربض الأسفل ، وشاطئ نهر سوق الأربعاء ، فدخل كثيرا من الأسواق ، فقيل : إن أمير الموصل ، وهو غانم بن حميد الطوسي ، كفن ثلاثين ألفا ، وبقي تحت الهدم خلق كثير لم يحملوا سوى من حمله الماء ) .
ترك أعشار سفن
( وفيها أمر الواثق بترك أعشار سفن البحر ) . [جاء السودان إلى البصرة ]
[وفيها : جاء السودان إلى البصرة .
[موت الواثق ]
وفيها : مات الواثق ، وبويع للمتوكل . وحج بالناس محمد بن داود . ( وفي سنة اثنين وثلاثين ) ومائتين حصر الفضل بن جعفر
مدينة لنتيني فأخبر الفضل أن أهل لنتيني كاتبوا البطريق الذي بصقلية ; لينصرهم ، فأجابهم ، وقال لهم : إن العلامة عند وصولي أن توقد النار ثلاث ليال على الجبل الفلاني ، فإذا رأيتم ذلك ، ففي اليوم الرابع أصل إليكم ، فنجتمع أنا وأنتم على المسلمين بغتة .
فأرسل الفضل من أوقد النار على ذلك الجبل ثلاث ليال ، فلما رأى أهل لنتيني النار أخذوا في أمرهم ، وأعد الفضل ما ينبغي أن يستعد به وكمن الكمناء ، وأمر الذين يحاصرون المدينة أن ينهزموا إلى جهة الكمين ، فإذا خرج أهلها عليهم قاتلوهم ، فإذا جاوزوا الكمين عطفوا عليهم .
فلما كان اليوم الرابع خرج أهل لنتيني ، وقاتلوا المسلمين وهم ينتظرون وصول البطريق ، فانهزم المسلمون ، واستجروا الروم حتى جاوزوا الكمين ، ولم يبق بالبلد أحد إلا خرج ، فلما جاوزوا الكمين عاد المسلمون عليهم ، وخرج الكمين من خلفهم ، ووضعوا فيهم السيف ، فلم ينج ( منهم ) إلا القليل ، فسألوا الأمان على أنفسهم وأموالهم ليسلموا المدينة ، فأجابهم المسلمون إلى ذلك وأمنوهم ، فسلموا المدينة .
وفيها أقام المسلمون بمدينة طارنت من أرض أنكبردة وسكنوها .
وفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وصل عشر شلنديات من الروم ، فأرسوا بمرسى الطين ، وخرجوا ليغيروا ، فضلوا الطريق ، فرجعوا خائبين ، وركبوا البحر راجعين ، فغرق منها سبع قطع .
وفي سنة أربع وثلاثين صالح أهل رغوس ، وسلموا المدينة إلى المسلمين بما فيها ، فهدمها المسلمون ، وأخذوا منها ما أمكن حمله .
وفي سنة خمس وثلاثين سار طائفة من المسلمين إلى مدينة قصريانه ، فغنموا وسلبوا وأحرقوا وقتلوا في أهلها .
وكان الأمير على صقلية للمسلمين محمد بن عبد الله بن الأغلب ، فتوفي في رجب من سنة ست وثلاثين ومائتين ، فكان مقيما بمدينة بلرم لم يخرج منها ، وإنما كان يخرج الجيوش والسرايا فتفتح ، فتغنم ، فكانت إمارته عليها تسع عشرة سنة ، والله سبحانه أعلم .