قتل وصيف
وفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين ولثلاث بقين من شوال قتل وصيف كان أميرا كبيرا ، وخدم جماعة من الخلفاء وقد روى هلال بن المحسن الصابئ: أن بعض مشايخ قم قال: ورد علينا وصيف التركي أميرا على بلدتنا ، فلقيناه ، فرأيناه عاقلا راجحا ، فسألنا عن أمر بلدتنا وأهله سؤال عالم به ، وسألنا عن شيوخ البلد ، إلى أن انتهى إلى ذكر رجل لم يكن مذكورا ، فلم يعرفه [منا] إلا رجل كان معنا ، ثم أتبع ذكره بتعظيم أمره ، وتعرف خبر ولده ، وحاله في معيشته ، وأطال في ذلك إطالة حتى استجهلناه فيها ، ثم قال: أحضرونيه إحضارا رفيقا ، فإني أكره أن أنفذ إليه فينزعج . فأحضرناه ، فلما وقعت عينه عليه قام إليه وأجلسه معه في دسته ، ثم أقبل يسأله عن زوجته وولده ، والشيخ يجيبه جواب دهش ، ثم قال له: أحسبك قد نسيتني وأنكرت معرفتي . قال: كيف أنكر الأمير مع جلالة قدره .
فقال: دع ذا ، أتعرفني جيدا؟ قال: لا . قال: أنا وصيف مملوكك . ثم التفت إلينا فقال: يا مشايخ ، أنا رجل من الديلم ، شببت وقت كذا وكذا ، وحملت إلى قزوين وسني نحو العشر سنين ، واشتراني هذا الشيخ ، وأسلمني مع ابنه في المكتب ، وأحسن تربيتي ، فإذا وقع في يدي شيء تركته عند فلان البقال في المحلة [يعرف بفلان] أهو باق؟ قالوا: نعم [قال:] فأحببت بعد بلوغي العمل [بحمل] السلاح ، فرآني بعض الجند فقال: هل لك أن تجيء معي إلى خراسان فأركبك الدواب وأعطيك السلاح؟ فقلت: أفعل على أن لا أكون لك مملوكا ، بل غلاما تابعا ، فإن رأيت منك ما أؤثر لم أفارقك ، وإن لم يكن ذلك فلا سلطان لك علي فقال: ذلك لك . فجئت إلى البقال فحاسبته ، وأخذت ما بقي لي عنده ، وابتعت ما أحتاج إليه وهربت من مولاي هذا مع الجندي إلى خراسان ، وتدرجت بي الأمور حتى بلغت إلى هذه المنزلة ، وأنا تحت رق مولاي هذا ، وأسألكم أن تسألوه أن يبيعني نفسي ، فقال الرجل: الأمير حر لوجه الله ، وأنا عبده ومتحمل بولائه ومفتخر به . فقال وصيف: يا غلام ، هات ثلاث بدر . فأحضرت فسلمها إلى الشيخ ، ثم استدعى له من الطيب والثياب والدواب مثل قدر المال ، وطلب ابنه فأكرمه ، وأعطاه عشرة آلاف درهم وثيابا ودوابا ، واستدعى البقال فوهب له خمس مائة دينار ، ثم بعث إلى زوجة الشيخ وبناته مالا ، وقال له: انبسط في سلطاننا انبساط من صاحبه مولاك ، فإني لا أردك عن مطلب تطلبه ، ولا أعترض عليك في شيء تعمله ، ثم قال: يا مشايخ قم ، أنتم شيوخي ما على الأرض أوجب حقا علي منكم إلا أني أخالفكم في الرفض فإني درت الآفاق ، وعرفت المذاهب ، فما وجدت على اعتقادكم أحد ، ومن المحال وقوع الإجماع على ضلال ، وانفرادكم من بين الناس بالحق . وصار الشيخ وابنه رئيسي البلدة . وكان سبب قتله أن الأتراك والفراغنة والأشروسنية شغبوا ، وطلبوا أرزاقهم لأربعة أشهر ، فخرج إليهم بغا ووصيف وسيما ، فكلمهم وصيف ، فقال لهم : خذوا التراب ، ليس عندنا مال ، وقال بغا : نعم ! نسأل أمير المؤمنين ونتناظر في دار أشناس ، فدخلوا دار أشناس .
ومضى سيما وبغا إلى المعتز ، وبقي وصيف في أيديهم ، فوثب عليه بعضهم فضربه بالسيف ، ووجأه آخر بسكين ، ثم ضربوه بالطبرزينات حتى قتلوه ، وأخذوا رأسه ونصبوه على محراك تنور ، وجعل المعتز ما كان إلى وصيف إلى بغا الشرابي ، وهو بغا الصغير ، وألبسه التاج والوشاحين .