خلافة المعتمد على الله
[256 - 279 ] واسمه: أحمد بن جعفر المتوكل [على الله] بن المعتصم بن الرشيد ، ويكنى أبا العباس . ولد بسامراء سنة تسع وعشرين ومائتين [في أولها] ، وأمه أم ولد رومية ، يقال لها: فتيان ، وكان أسمر رقيق اللون أعين خفيفا ، لطيف اللحية ، جميلا ، بويع يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين. وذلك لما أخذ المهتدي بالله وحبس أحضر أبو العباس أحمد بن المتوكل ، وهو المعروف بابن فتيان ، وكان محبوسا بالجوسق ، فبايعه الناس ، فبايعه الأتراك ، وكتبوا بذلك إلى موسى بن بغا وهو بخانقين ، فحضر إلى سامرا فبايعه ، ولقب المعتمد على الله .
ثم إن المهتدي مات ثاني يوم بيعة المعتمد ، وسكن الناس .
واستوزر عبيد الله بن يحيى بن خاقان . وللمعتمد أشعار حسان منها قوله:
طال والله عذابي واهتمامي واكتئابي بغزال من بني الأصفر لا يغنيه ما بي أنا مغرى بهواه وهو مغرى بعذابي
فإذا ما قلت صلني كان لا منه جوابي
وله:
عجل الحب بفرقه فبقلبي منه حرقه ما لك بالحب رقي وأنا أملك رقه
إنما يستروح الصب إذا أظهر عشقه
ومن شعر المعتمد لما حجر عليه :
أصبحت لا أملك دفعا لما أسام من خسف ومن ذلة
تمضي أمور الناس دوني ولا يشعرني في ذكرها قلة
إذا اشتهيت الشيء ولوا به عني ، وقالوا : ههنا علة
ذكر طرف من سيرته
ذكر طرف من سيرته
وعن إسماعيل بن عبيد الله العسكري قال: كنا عند المعتمد أمير المؤمنين بسامراء في رمضان ، فلما أمسينا دعا بتمر فأفطر على تمرة ، ثم ناول من حضر تمرة تمرة ، ثم قال: حدثني أبي بسنده عن أنس ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=673932عن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات ، فإن لم يجد فتمرات ، فإن لم يجد تمرات حسا حسوات من ماء .
ثم قال: سمعت أبي بسنده عن وهب بن منبه قال: إن الصائم يزيغ بصره ، فإذا أفطر على الحلاوة رجع إليه بصره .
وعن أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمدان قال:
انصرف جلساء المعتمد على الله ليلة عنه ، وانصرفت إلى حجرة مرسومة لي في الدار أختص بها ، فلما انتصف الليل وأنا نائم إذا أنا بالخدم يدقون باب حجرتي ويوقظونني بشدة ، فانزعجت فقالوا: أجب أمير المؤمنين . فأجبت وأنا مذعور ، وقلت: إنا لله بلاء تجدد ، فلما صرت بحضرته قائما لم يستجلسني وقال: يا غلام صاحب الشرطة ، الساعة قمت فزعا . فحضر ، فقال له: في حبسك رجل يقال له فلان بن فلان الجمال؟ فقال له: نعم . قال: أحضره . فحضر . فقال له المعتمد: بأي شيء تعرف؟ قال: أنا فلان بن فلان الجمال . قال: منذ كم حبست؟ قال: منذ كذا وكذا . قال: في أي شيء؟ قال: مظلوم . قال: فاشرح لي قصتك . قال: أنا رجل من أهل الجبل ، وكان يتقلدنا فلان بن فلان إلى الأمير ، فاستدعي إلى الحضرة يسخر جمالي ، فتظلمت إليه فلم ينفع ، فخرجت أمشي وراء الجمال إلى أن قربنا من حلوان ، فسل الأكراد منها جملا محملا ، فضربني مقارع كثيرة وقيدني ، فقلت: ما ذنبي؟ قال: أنت سرقت جملك وأخذت ما كان عليه . فقلت: غلمانك يعلمون أن الأكراد سلوه ، فقال: الأكراد ما جاءوا إلا بمواطأتك ثم أمر [بي] فحملت على بعض الجمال مقيدا ، فلما وردت هذا البلد طرحني في الحبس ، وملك الجمال ، فقال: يا فلان ، فحضر بعض الخدم ، فقال: امض الساعة إلى الأمير فلان واقعد على دماغه ، ولا تبرح أو يرد جمال هذا عليه ، أو قيمتها على ما يقوله الجمال ، وادفع ذلك إليه ، وقال للخادم: ادفع إلى هذا الجمال كذا وكذا دينارا أو كسوة ، وأدخله الحمام ، وأطعمه واسقه ، ثم قال لصاحب الشرطة: لا تعرض له .
ثم قال له: في حبسك فلان بن فلان الحداد؟ قال: نعم . قال: هاته . فأحضره ، فقال: ما قصتك؟ قال: أنا رجل حبست ظلما منذ كذا وكذا سنة . قال: وما كان سبب حبسك؟ فقص قصة طويلة . فقال لصاحب الشرطة: خل عنه ، وقال للخادم: خذه فغير من حاله ، وأطعمه واسقه ، وأدخله الحمام واكسه ، وادفع إليه كذا وكذا دينارا .
وقال للشرطي: انصرف ، ثم رفع رأسه وقال: الحمد لله الذي وفقني لهذا الفعل يا ابن حمدان . فقلت: كيف تكلف أمير المؤمنين النظر في هذا الأمر بنفسه في مثل هذا الوقت ، وانزعج من نومه؟ فقال: ويحك! جاءني رجل الساعة في النوم صفته كيت وكيت ، فقال: في حبسك رجلان مظلومان يقال لأحدهما فلان بن فلان الجمال ، والآخر فلان بن فلان الحداد ، فأطلقهما وأنصفهما من خصومهما ، وأحسن إليهما . فانتبهت مذعورا ، ولعنت إبليس ، وصليت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتحولت إلى الجانب الآخر وقمت فرأيت الشخص بعينه ، فقال لي: ويلك! آمرك أن تطلق رجلين محبوسين مظلومين من حبسك قد طال حبسهما ، وأن تنصفهما من خصومهما ولا تفعل ، وترجع إلى نومك؟ [لقد] هممت أن أفعل بك . قال: وكاد يمد يده إلي .
فقلت: يا هذا ، ارفق بي وقل لي من أنت؟ قال: [أنا] محمد رسول الله [قال:] فكأني [قد] قبلت يده ، وقلت: يا رسول الله ، ما عرفتك . ولو كنت عرفتك ما تجاسرت على مخالفتك . قال: فقم فعجل في أمرهما الساعة كما أمرتك . فانتبهت فاستدعيتك لتشاهد ما يجري ، وطلبت صاحب الشرطة ، فجرى ما رأيت . فدعوت له وعظمت في نفسه ما جرى ، وقلت: هذه عناية من رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أمير المؤمنين ، ومنة من الله عليه ، فليشكر الله . فقال: امض فقد أزعجتك . فمضيت إلى حجرتي . ومن قول عبد الله بن المعتز في المعتمد يمدحه :
يا خير من تزجى المطي له ويمر حبل العهد موثقه
أضحى عنان الملك مقتسرا بيديك تحبسه وتطلقه
فاحكم لك الدنيا وساكنها ما صاب سهم أنت موفقه