ذكر من توفي في سنة ست وخمسين ومائتين من الأكابر

إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق التميمي إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق التميمي .

خراساني جوزجاني ، قدم مصر ، فكتب عنه .

وتوفي بدمشق في هذه السنة .

أيوب بن نصر بن موسى ، أبو أحمد العصفري أيوب بن نصر بن موسى ، أبو أحمد العصفري

بغدادي ، قدم مصر ، وحدث بها ، وتوفي في شعبان هذه السنة .

إدريس بن عيسى ، أبو محمد القطان المخرمي إدريس بن عيسى ، أبو محمد القطان المخرمي

حدث عن زيد بن الحباب ، وأبي داود الجعفري . روى عنه ابن صاعد ، والباغندي ، ولم يكن به بأس ، وتوفي في هذه السنة .

الحسن بن علي ، أبو علي المسوحي الحسن بن علي ، أبو علي المسوحي

حكى عن بشر الحافي . روى عنه الجنيد . ولم يكن له منزل يأوي إليه إنما كان يأوي إلى مسجد .

وعن الجنيد وابن مسروق وأبو أحمد المغازلي ، وأبو محمد الجريري قالوا: سمعنا حسنا المسوحي يقول: كنت آوي إلى باب الكنائس كثيرا ، وكنت أقرب من مسجد ، ثم أتفيأ فيه من الحر وأستكن من البرد ، فدخلت يوما وقد كظني الحر واشتد علي فحملتني عيني فنمت ، فرأيت كأن سقف المسجد قد انشق ، وكأن جارية قد نزلت علي من السقف عليها قميص فضة يتخشخش ، ولها ذؤابتان ، فجلست عند رجلي فقبضت رجلي عنها ، فمدت يدها فنالت رجلي . فقلت لها: يا جارية ، لمن أنت؟ قالت: لمن دام على ما أنت عليه .

رزق الله بن موسى ، أبو الفضل الإسكافي رزق الله بن موسى ، أبو الفضل الإسكافي .

حدث عن يحيى بن سعيد القطان ، وسفيان بن عيينة ، وشبابة .

روى عنه: الباغندي ، وابن صاعد ، والقاضي المحاملي ، وكان ثقة .

وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة .

الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام ، أبو عبد الله الأسدي المديني الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام ، أبو عبد الله الأسدي المديني [العلامة] .

سمع سفيان بن عيينة ، والنضر بن شميل ، وأبا الحسن المدائني وخلقا كثيرا .

روى عنه ثعلب ، وابن البراء ، وابن أبي الدنيا ، والبغوي ، وابن صاعد ، وغيرهم .

وكان ثقة ثبتا عالما بالنسب ، عارفا بأخبار المتقدمين ، وله "كتاب النسب" . ولي القضاء بمكة ، وورد بغداد ، فلما أراد أن يحدث بها قال: أعرضوا علي مستمليكم . فعرضوا عليه ، فأتاهم ، فلما حضر أبو حامد المستملي قال له: من أنت؟ قال: من ذكرت يا ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأعجبه ، واستملى عليه .

وعن الزبير بن بكار قال: قالت [ابنة] أختي لأهلها: خالي خير رجل لأهله ، لا يتخذ ضرة ، ولا يشتري جارية . قال: تقول المرأة: والله لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر .

وعن أبا العباس محمد بن إسحاق الصيرفي قال:

سألت الزبير بن بكار -وقد جرى حديث [النساء]- منذ كم زوجتك معك؟

قال: لا تسألني ليس يرد القيامة أكثر كباشا منها ، ضحيت عنها بسبعين كبشا .

وعن أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال: قال لنا أبو عبد الله أحمد بن سليمان الطوسي: توفي أبو عبد الله الزبير [بن بكار] قاضي مكة ليلة الأحد لتسع ليال بقين من ذي القعدة سنة ست وخمسين ومائتين ، وقد بلغ أربعا وثمانين سنة ، ودفن بمكة ، وحضرت جنازته ، وصلى عليه ابنه مصعب ، وكان سبب وفاته: أنه وقع من فوق سطحه ، فمكث يومين لا يتكلم ، وتوفي بعد فراغنا من قراءة "كتاب النسب" عليه بثلاثة أيام .

عبد الله بن محمد بن المهاجر ، أبو محمد عبد الله بن محمد بن المهاجر ، أبو محمد .

ويعرف بفوزان ، كان من أخص أصحاب أحمد بن حنبل به ، وكان يتقدمه ، ويكرمه ، ويأنس إليه ، ويستقرض منه ، ومات أحمد وله عنده خمسون دينارا ، وأوصى أن تعطى من غلته ، فلم يأخذها فوزان ، وأحله منها . وبعث إليه يوما ، فقال: قد وهب الله لنا ولدا فإيش ترى أن أسميه؟

وحدث فوزان عن وكيع ، وشعيب بن حرب ، وأبي معاوية ، وغيرهم .

روى عنه: جماعة ، منهم: البغوي ، وابن صاعد . وقال الدارقطني: فوزان نبيل جليل .

توفي في رجب هذه السنة .

عثمان بن صالح بن سعيد بن يحيى ، أبو القاسم الخياط الخلقاني عثمان بن صالح بن سعيد بن يحيى ، أبو القاسم الخياط الخلقاني .

حدث عن يزيد بن هارون ، ووهب بن جرير . روى عنه: ابن مخلد ، وكان ثقة .

وتوفي في هذه السنة .

محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة ، أبو عبد الله الجعفي البخاري . محمد بن إسماعيل البخاري .

هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه ، ويقال : بذدزبه ، الجعفي مولاهم ، أبو عبد الله البخاري الحافظ ، إمام أهل الحديث في زمانه ، والمقتدى به في أوانه ، والمقدم على سائر أضرابه وأقرانه ، وكتابه " الصحيح " يستسقى بقراءته الغمام ، وأجمع على قبوله وصحة ما فيه أهل الإسلام . وصاحب كتاب"التاريخ" ولد يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة . وإنما قيل له: الجعفي؛ لأن أبا جده أسلم -وكان مجوسيا- على يدي يمان الجعفي ، [وكان يمان] والي بخارى ، فنسب إليه .

ورحل محمد بن إسماعيل في طلب العلم ، وكتب بخراسان ، والجبال ، ومدن العراق ، والحجاز ، والشام ، ومصر ، وسمع بكر بن إبراهيم ، وعبدان ، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، وأبا نعيم ، وعفان ، وأبا الوليد الطيالسي ، والقعنبي ، والحميدي ، وعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وخلقا يطول ذكرهم .

وورد إلى بغداد دفعات . وحدث بها فروى عنه من أهلها: إبراهيم الحربي ، والباغندي ، وابن صاعد ، وغيرهم ، وآخر من حدث عنه بها: الحسين بن إسماعيل المحاملي .



ومهر البخاري في علم الحديث ، ورزق الحفظ له والمعرفة له .

وعن أحمد بن عبد الله بن محمد قال: سمعت جدي محمد بن يوسف [الفربري] يقول: حدثنا أبو جعفر محمد بن أبي حاتم الوراق النحوي قال: قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: كيف كان بدء أمرك في طلب الحديث؟ قال: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب ، قلت: وكم أتى عليك إذ ذاك؟ فقال: عشر سنين أو أقل ، ثم خرجت من الكتاب بعد العشر ، فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره . فقال يوما فيما كان يقرأ للناس: سفيان ، عن أبي الزبير ، عن إبراهيم . فقلت [أنا] له: يا أبا فلان ، إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم . فانتهرني . فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك . فدخل ونظر فيه ، ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي ، عن إبراهيم . فأخذ القلم مني وأحكم كتابه ، وقال: صدقت .

فقال له بعض أصحابه: ابن كم كنت إذ رددت عليه؟ قال: ابن إحدى عشرة سنة ، فلما طعنت في ست عشرة حفظت كتب ابن المبارك ، ووكيع ، ثم خرجت مع أمي وأخي [أحمد] إلى مكة ، فلما حججت رجع أخي ، وتخلفت بها في طلب الحديث ، فلما طعنت في ثمانية عشرة سنة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم ، وصنفت كتاب "التاريخ" ذاك عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليالي المقمرة ، وقل اسم في "التاريخ" إلا وله عندي قصة ، إلا أني كرهت تطويل الكتاب .

وفي رواية ابن البخاري: كتب تراجم جامعة بين قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنبره ، وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين . وقال: كتبت عن ألف شيخ . قال: وأخرجت هذا الكتاب من زهاء ستمائة ألف حديث ، وما وضعت [في كتاب الصحيح] حديثا إلا اغتسلت [قبل ذلك] وصليت ركعتين .

قال الفربري: سمع هذا الكتاب تسعون ألف رجل ما بقي أحد يرويه غيري .

وعن محمد بن يوسف قال: كنت عند محمد بن إسماعيل البخاري في منزله ذات ليلة ، فأحصيت أنه قد قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة ثماني عشرة مرة .

وقد كان البخاري يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوري السراج ، ويكتب الفائدة تمر بخاطره ثم يطفئ سراجه ، ثم يقوم مرة أخرى حتى كان يتعدد ذلك منه قريبا من عشرين مرة .

وقد كان أصيب بصره وهو صغير ، فرأت أمه إبراهيم الخليل ، عليه الصلاة والسلام ، فقال : يا هذه ، قد رد الله على ولدك بصره بكثرة دعائك ، أو قال : بكائك . فأصبح وهو بصير .

وقال البخاري : فكرت البارحة فإذا أنا قد كتبت في مصنفاتي نحوا من مائتي ألف حديث مسندة . وكان يحفظها كلها .

ودخل مرة إلى سمرقند فاجتمع به أربعمائة من علماء الحديث بها ، فركبوا له أسانيد وأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق ، وخلطوا الرجال في الأسانيد ، وجعلوا متون الأحاديث على غير أسانيدها ، ثم قرءوها على البخاري ، فرد كل حديث إلى إسناده ، وقوم تلك الأحاديث والأسانيد كلها ، وما تعلقوا عليه بسقطة في إسناد ولا في متن . وروي عنه بعض رفقائه أنه كان يختلف معهم إلى مشايخ البصرة وهو غلام ، ولا يكتب ، فسألوه بعد أيام: لم لا تكتب . فقرأ عليهم جميع ما سمعوه من حفظه ، وكان يزيد على خمسة عشر ألف حديث ، وكان بندار يقول: ما قدم علينا مثل محمد بن إسماعيل .

ودخل مرة إلى مجلس بندار فما عرفه ، فقيل له: هذا أبو عبد الله . فقام فأخذ بيده وعانقه ، وقال: مرحبا بمن أفتخر به منذ سنين .

وقال أبو بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن عبد الله بن نمير: ما رأينا مثل محمد بن إسماعيل .

وقال أبو بكر الأعين: كتبنا عن محمد بن إسماعيل على باب محمد بن يوسف الفريابي وما في وجهه شعرة .

وقال أحمد بن حنبل: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل البخاري .

وقال إسحاق بن راهويه ، وعنده البخاري: يا معشر أصحاب الحديث ، انظروا إلى هذا الشاب ، واكتبوا عنه ، فإنه لو كان في زمن الحسن لاحتاج إليه الناس لمعرفته بالحديث وفهمه .



وعن عبد الله بن أحمد الصيرفي قال: سمعت الدارقطني يقول: لولا البخاري ما ذهب مسلم ولا جاء .

وعن أحمد بن الحسن الرازي قال: سمعت أبا أحمد بن عدي الحافظ يقول: سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم إلى بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث قلبوا أسانيدها ومتونها وجعلوا متن هذا لإسناد آخر وإسناد هذا لمتن آخر ، ودفعوها إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة أحاديث ، وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري ، فحضروا فانتدب رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث ، فقال: لا أعرفه . فسأله عن آخر ، فقال: لا أعرفه . فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد ، حتى فرغ من العشرة ، والبخاري يقول: لا أعرفه . فكان بعض الفهماء يقول: الرجل فهم . وبعضهم يقضي عليه بالعجز . ثم انتدب رجل آخر فسأله عن [حديث من] الأحاديث وهو يقول في الحديث: لا أعرفه حتى فرغ من عشرته ، ثم الثالث ، ثم الرابع ، إلى تمام العشرة ، والبخاري لا يزيدهم على: لا أعرفه .

فلما فرغوا التفت البخاري إلى الأول وقال: أما حديثك الأول فهو كذا ، والحديث الثاني كذا ، والثالث كذا ، حتى أتى على تمام العشرة ، فرد كل متن إلى إسناده ، وكل إسناد إلى متنه ، وفعل بالآخرين مثل ذلك ، فأقر له الناس بالحفظ ، وأذعنوا له بالفضل . وكان ابن صاعد إذا ذكره يقول: الكبش النطاح!

وعن أبو سعيد بكر بن منير قال: كان حمل إلى محمد بن إسماعيل بضاعة أنفذها إليه فلان ، فاجتمع التجار بالعشية فطلبوها منه بربح خمسة آلاف درهم ، فقال لهم: انصرفوا الليلة . فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه تلك البضاعة بربح عشرة آلاف درهم ، فردهم وقال: إني نويت البارحة أن أدفع إلى أولئك ، ولا أحب أن أنقض نيتي . فدفعها إليهم .

وعن أبو عمرو أحمد بن محمد المقرئ قال: سمعت بكر بن منير يقول: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أرجو أن ألقى الله [سبحانه] ولا يحاسبني أن اغتبت أحدا .

وقال أبو العباس الدغولي : كتب أهل بغداد إلى البخاري :


المسلمون بخير ما حييت لهم وليس بعدك خير حين تفتقد

وقال الفلاس : كل حديث لا يعرفه البخاري فليس بحديث . وقال نعيم بن حماد : هو فقيه هذه الأمة . وكذا قال يعقوب بن إبراهيم الدورقي . ومنهم من فضله في الفقه والحديث على الإمام أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه .

وقال قتيبة بن سعيد : رحل إلي من شرق الأرض وغربها ، فما رحل إلي مثل محمد بن إسماعيل البخاري . وقال رجاء بن مرجى : فضل البخاري على العلماء - يعني في زمانه - كفضل الرجال على النساء . وقال : هو آية من آيات الله يمشي على الأرض . وقال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدرامي : محمد بن إسماعيل البخاري أفقهنا وأعلمنا وأغوصنا وأكثرنا طلبا .

وقال إسحاق بن راهويه : هو أبصر مني . وقال أبو حاتم الرازي : محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق . وقال عبيد العجلي : رأيت أبا حاتم وأبا زرعة يجلسان إليه يستمعان ما يقول ، ولم يكن مسلم يبلغه ، وكان أعلم من محمد بن يحيى الذهلي بكذا وكذا ، وكان دينا فاضلا يحسن كل شيء . وقال غيره : رأيت محمد بن يحيى الذهلي يسأل البخاري عن الأسامي والكنى والعلل ، وهو يمر فيه كالسهم ، كأنه يقرأ : قل هو الله أحد [ الإخلاص : 1 ] .

وقال أحمد بن حمدون القصار : رأيت مسلم بن الحجاج جاء إلى البخاري فقبل بين عينيه ، وقال : دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين ، وسيد المحدثين ، وطبيب الحديث في علله . ثم سأله عن حديث كفارة المجلس ، فذكر له علته ، فلما فرغ قال مسلم : لا يبغضك إلا حاسد ، وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك . وقال الترمذي : لم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من البخاري . وكنا يوما عند عبد الله بن منير ، فقال للبخاري : جعلك الله زين هذه الأمة . قال الترمذي : فاستجيب له فيه .

وقال ابن خزيمة : ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري . ولو ذهبنا نسطر ما أثنى عليه الأئمة في حفظه وإتقانه وعلمه وفقهه وورعه وزهده وتبحره لطال علينا ، ونحن على عجل من أجل الحوادث ، وقد ذكرنا ذلك مبسوطا في أول شرح " الصحيح " ، والله سبحانه وتعالى هو المستعان .

وقد كان البخاري ، رحمه الله ، في غاية الحياء والشجاعة والسخاء والورع والزهد في الدنيا دار الفناء ، والرغبة في الآخرة دار البقاء . قال : أرجو أن ألقى الله وليس أحد يطالبني أني اغتبته . فذكر له " التاريخ " وما ذكر فيه من الجرح والتعديل وغير ذلك ، فقال : ليس هذا من هذا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ائذنوا له ، فلبئس أخو العشيرة ونحن إنما روينا ذلك رواية ، ولم نقله من عند أنفسنا .

وقد كان - رحمه الله - يصلي في كل ليلة ثلاث عشرة ركعة ، وكان يختم القرآن في كل ليلة من رمضان ختمة ، وكانت له جدة ومال جيد ينفق منه سرا وجهرا ، وكان يكثر الصدقة بالليل والنهار سرا وعلانية ، وكان مستجاب الدعوة ، مسدد الرمية ، شريف النفس ; بعث إليه بعض السلاطين ليأتيه حتى يسمع أولاده عليه ، فأرسل إليه : في بيته يؤتى الحكم ، إن كنتم تريدون ذلك فهلموا إلي ، وأبى أن يذهب إليهم وكان البخاري قد قال: أفعال العباد مخلوقة . فقلت له: قد قلت: لفظي بالقرآن مخلوق . فقال: أنا لا أقول هذا ، وإنما أقول: أفعال العباد مخلوقة . فهجره محمد بن يحيى الذهلي ، ومنع الناس من الحضور عنده ، واتفق أن خالد بن أحمد الذهلي والي بخارى سأله أن يحضر عنده ليسمع منه "الكتاب الصحيح" ["والتاريخ" ] فقال: أنا لا أذل العلم ، إن أراد سماع ذلك فليحضر عندي . فاحتال عليه حتى نفاه من البلد ، فمضى إلى "خرتنك" وهي قرية من قرى سمرقند على فرسخين منها ، فنزل عند أقارب له بها ، وجعل يدعو الله أن يقبضه إليه حين رأى الفتن ; كما جاء في الحديث : وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين .

ثم اتفق مرضه على إثر ذلك ، فكانت وفاته ليلة عيد الفطر ، وكانت ليلة السبت ، عند صلاة العشاء وصلي عليه يوم العيد بعد الظهر من هذه السنة - أعني سنة ست وخمسين ومائتين - وكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ، وفق ما أوصى به ، وحين دفن فاحت من قبره رائحة غالية أطيب من المسك ، فدام ذلك أياما ، ثم علت سوار بيض مستطيلة بحذاء قبره . وكان عمره يوم مات - رحمه الله - ثنتين وستين سنة .

وقد ترك - رحمه الله - بعده علما نافعا لجميع المسلمين ، فعمله فيه لم ينقطع بل هو موصول بما أسداه من الصالحات في الحياة ; وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ، من علم ينتفع به الحديث . رواه مسلم .

وشرطه في " صحيحه " هذا أعز من شرط كل كتاب صنف في " الصحيح " ، لا يوازيه فيه غيره ، لا " صحيح مسلم " ولا غيره . وما أحسن ما قال بعض الفصحاء من الشعراء :


صحيح البخاري لو أنصفوه     لما خط إلا بماء الذهب
هو الفرق بين الهدى والعمى     هو السد بين الفتى والعطب
أسانيد مثل نجوم السماء     أمام متون كمثل الشهب
بها قام ميزان دين الرسول     ودان به العجم بعد العرب
حجاب من النار لا شك فيه     تميز بين الرضا والغضب
وستر رقيق إلى المصطفى     ونص مبين لكشف الريب
فيا عالما أجمع العالمون     على فضل رتبته في الرتب
سبقت الأئمة في ما جمعت     وفزت على زعمهم بالقصب
نفيت الضعيف من الناقلين     ومن كان متهما بالكذب
وأبرزت في حسن ترتيبه     وتبويبه عجبا للعجب
فأعطاك مولاك ما تشتهيه     وأجزل حظك فيما وهب

محمد بن إبراهيم بن جعفر الأنماطي محمد بن إبراهيم بن جعفر الأنماطي .

المعروف بمربع ، صاحب يحيى بن معين . كان أحد الحفاظ الفهماء ، وحدث عن أبي سلمة التبوذكي وأبي حذيفة النهدي ، وأبي الوليد الطيالسي ، وغيرهم .

وعن أحمد [بن علي بن ثابت] قال: سمعت أبا نعيم الحافظ يقول: بلغني عن جعفر بن محمد بن كزال قال: كان يحيى بن معين يلقب أصحابه ، فلقب محمد بن إبراهيم بمربع ، والحسين بن محمد بعبيد العجل ، وصالح بن محمد جزرة ، ومحمد بن صالح بكيلجة ، وهؤلاء من كبار أصحابه .

وعن [أبو الحسن] الدارقطني قال: محمد بن إبراهيم الأنماطي المعروف بمربع كان حافظا بغداديا ، له تصنيف وتاريخ ، حدث عنه: أبو محمد بن صاعد وغيره .

وعن عبد الباقي بن قانع: أن محمد بن إبراهيم مربعا مات في سنة ست وخمسين ومائتين .



وقال ابن مخلد: مات في ستة وثمانين . وهذا غلط لا يصح .

محمد بن أبي فروة ، أبو عبد الله الشعباني محمد بن أبي فروة ، أبو عبد الله الشعباني:

من بني شعبان ، وبنو شعبان بن عمرو بن قيس من حمير ، وأهل مصر إذا نسبوا إليه يقولون: الأشعبوني ، وأهل الكوفة يقولون: الشعبي ، وأهل الشام يقولون الشعباني ، وأهل اليمن يقولون: ذي الشعين ، وكلهم يريد شعبان بن عمرو .

روى محمد الحديث ، وتوفي في هذه السنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية