وقعة الطواحين وفي سنة إحدى وسبعين ومائتين كانت
وقعة بين أبي العباس المعتضد ابن الموفق أبي أحمد وبين خمارويه بن أحمد بن طولون ; وسبب ذلك أن المعتضد سار من دمشق ، بعد أن ملكها نحو الرملة إلى عساكر خمارويه ، فأتاه الخبر بوصول خمارويه إلى عساكره ، وكثرة من معه من الجموع ، فهم بالعود ، فلم يمكنه من معه من أصحاب خمارويه الذين صاروا معه ، وكان المعتضد قد أوحش ابن كنداجيق ، وابن أبي الساج ، ونسبهما إلى الجبن ، حيث انتظراه ليصل إليها ، ففسدت نياتهما معه .
ولما وصل خمارويه إلى الرملة نزل على الماء الذي عليه الطواحين ، فملكه ، فنسبت الوقعة إليه ، ووصل المعتضد وقد عبأ أصحابه ، وكذلك أيضا فعل خمارويه ، وجعل له كمينا عليهم سعيدا الأيسر ، وحملت ميسرة المعتضد على ميمنة خمارويه ، فانهزمت ، فلما رأى ذلك خمارويه ، ولم يكن رأى مصافا قبله ، ولى منهزما في نفر من الأحداث الذين لا علم لهم بالحرب ولم يقف دون مصر .
ونزل المعتضد إلى خيام خمارويه ، وهو لا يشك في تمام النصر ، فخرج الذين عليهم سعيد الأيسر ، وانضاف إليه من بقي من جيش خمارويه ، ونادوا بشعارهم ، وحملوا على عسكر المعتضد وهم مشغولون بنهب السواد ، ووضع المصريون السيف فيهم ، وظن المعتضد أن خمارويه قد عاد ، فركب فانهزم ولم يلو على شيء ، فوصل إلى دمشق ، ولم يفتح له أهلها بابها ، فمضى منهزما حتى بلغ طرسوس ، وبقي العسكران يضطربان بالسيوف ، وليس لواحد منها أمير .
وطلب سعيد الأيسر خمارويه فلم يجده ، فأقام أخاه أبا العشائر ، وتمت الهزيمة على العراقيين ، وقتل منهم خلق كثير وأسر كثير .
وقال سعيد للعساكر : إن هذا أخو صاحبكم ، وهذه الأموال تنفق فيكم ، ووضع العطاء ، فاشتغل الجند عن الشغب بالأموال ، وسيرت البشارة إلى مصر ، ففرح خمارويه بالظفر ، وخجل للهزيمة ، غير أنه أكثر الصدقة ، وفعل مع الأسرى فعلة لم يسبق إلى مثلها أحد قبله ، فقال لأصحابه : إن هؤلاء أضيافكم فأكرموهم ، ثم أحضرهم بعد ذلك وقال لهم : من اختار المقام عندي فله الإكرام والمواساة ، ومن أراد الرجوع جهزناه وسيرناه ، فمنهم من أقام ومنهم من سار مكرما ، وعادت عسكر خمارويه إلى الشام ففتحته أجمع ، فاستقر ملك خمارويه له .