ذكر عدة حوادث

في سنة اثنتين وثمانين ومائتين في ربيع الأول قبض على تكتمر بن طاشتمر ، وقيد وأخذ ماله ; ( وكان أميرا على ) الموصل ، واستعمل بعده عليها الحسن بن علي الخراساني ، ويعرف بكورة .

وفيها سار المعتضد إلى الجبل ، فبلغ الكرج ، وأخذ أموالا لابن أبي دلف ، وكتب إلى عمر بن عبد العزيز يطلب منه جوهرا كان عنده ، فوجه به إليه ، تنحى من بين يديه .

وفيها أطلق لؤلؤ غلام ابن طولون ، وحمل على دواب وبغال .

وفيها وجه يوسف بن أبي الساج إلى الصيمرة مددا القلانسي غلام الموفق ، فهرب يوسف فيمن أطاعه إلى أخيه محمد بمراغة ، ولقي مالا للمعتضد فأخذه ، فقال في ذلك عبيد الله بن عبد الله بن طاهر :


إمام الهدى أنصاركم آل طاهر بلا سبب تخفون والدهر يذهب     وقد خلطوا شكرا بصبر ورابطو
وغيرهم يعطي ويحبي ويهرب



وفيها وجه المعتضد وزيره عبيد الله بن سليمان إلى ابنه بالري وعاد منها .

وفيها وجه محمد بن زيد العلوي من طبرستان إلى محمد بن ورد العطار باثنين وثلاثين ألف دينار ليفرقها على أهل بيته ببغداذ ، والكوفة ، والمدينة ، فسعى به المعتضد ، فأحضر محمد عند بدر ، وسئل عن ذلك ، فأقر أنه يوجه إليه كل سنة مثل ذلك ، ففرقه ، وأنهى بدر إلى المعتضد ذلك ، فقال له المعتضد : أما تذكر الرؤيا التي خبرتك بها ؟ قال : لا ، يا أمير المؤمنين ; قال : رأيت في النوم كأني أريد ناحية النهروان ، وأنا في جيشي ، إذ مررت برجل واقف على تل يصلي ولا يلتفت إلي ، فعجبت ، فلما فرغ من صلاته قال لي : أقبل ، فأقبلت إليه فقال لي : أتعرفني ؟ قلت : لا ! قال : أنا علي بن أبي طالب ، خذ هذه فاضرب بها الأرض ، بمسحاة بين يديه ، فأخذتها ، فضربت بها ضربات ، فقال لي : إنه سيلي من والدك هذا الأمر بعدد الضربات ، فأوصهم بولدي خيرا .

وأمر بدرا بإطلاق المال والرجل ، وأمره أن يكتب إلى صاحبه بطبرستان أن يوجه ما يريد ظاهرا ، وأن يفرق ما يأتيه ظاهرا ، وتقدم بمعونته على ذلك .

( وفيها توفي أبو طلحة منصور بن مسلم في حبس المعتضد ) .

( وفيها ولدت جارية اسمها شغب للمعتضد ولدا سماه جعفرا ، وهو المقتدر ) .

وفيها قتل خمارويه بن أحمد بن طولون ، ذبحه بعض خدمه على فراشه في ذي الحجة بدمشق ، وقتل من خدمه الذين اتهموا نيف وعشرون نفسا .

وكان سبب قتله أنه سعى إليه بعض الناس ، وقال له إن جواري داره قد اتخذت كل واحدة منهن خصيا من خصيان داره لها كالزوج ، وقال : إن شئت أن تعلم صحة ذلك فأحضر بعض الجواري فاضربها وقررها ، حتى تعلم صحة ذلك . فبعث من وقته إلى نائبه بمصر يأمره بإحضار عدة من الجواري ليعلم الحال منهن ، فاجتمع جماعة من الخدم ، وقرروا بينهم الاتفاق على قتله ، خوفا من ظهور ما قيل له ، وكانوا خاصته ، فذبحوه ليلا وهربوا .

فلما قتل اجتمع القواد ، وأجلسوا ابنه جيش بن خمارويه في الإمارة ، وكان معه بدمشق ، وهو أكبر ولده ، فبايعوه ففرقت فيهم الأموال وكان صبيا غرا . ثم قتلوه ونهبوا داره ثم ولوا هارون بن خمارويه وقد التزم في كل سنة ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار تحمل إلى باب الخليفة فأقره المعتضد على ذلك ، فلما كان المكتفي عزله وولى مكانه محمد بن سليمان الواثقي فاصطفى أموال آل طولون وكان ذلك آخر العهد بهم . في خامس ربيع الأول منها يوم الثلاثاء دخل المعتضد بزوجته ابنة خمارويه وكان قدومها بغداد صحبة عمها وصحبة ابن الجصاص وكان الخليفة غائبا بالموصل ، ثم نقلت إلى المعتضد لأربع خلون من ربيع الأول ، فنودي في جانبي بغداد أن لا يعبر أحد دجلة في يوم الأحد ، وغلقت أبواب الدروب التي يلين الشط ، ومد على الشوارع النافذة إلى دجلة شراع ، ووكل بحافتي دجلة من يمنع [ الناس ] أن يظهروا في دورهم على الشط ، فلما صليت العتمة وافت سفينة من دار المعتضد فيها خدم ، معهم الشمع ، فوقفت بإزاء دار صاعد ، وكانت قد أعدت أربع حراقات شدت مع دار صاعد ، فلما جاءت تلك السفينة أحدرت الحراقات وصارت تلك السفينة بين أيديهم ، وأقامت الحرة يوم الاثنين في دار المعتضد ، وجليت عليه يوم الثلاثاء لخمس خلون من ربيع الأول . وحج بالناس في هذه السنة المتقدم ذكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية