استيلاء المكتفي على الشام ، ومصر وانقراض ملك الطولونية

وفي المحرم من سنة اثنتين وتسعين ومائتين سار محمد بن سليمان إلى حدود مصر لحرب هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون .

وسبب ذلك أن محمد بن سليمان لما تخلف عن المكتفي ، وعاد عن محاربة القرامطة ، واستقصى محمد في طلبهم ، فلما بلغ ما أراد عزم على العود إلى العراق ، فأتاه كتاب بدر الحمامي غلام ابن طولون ، وكتاب فائق ، وهما بدمشق ، يدعوانه إلى قصد البلاد بالعساكر ليساعداه على أخذها ، فلما عاد إلى بغداذ أنهى ذلك إلى المكتفي ، فأمره بالعود ، وسير معه الجنود ، والأموال .

ووجه المكتفي دميانة غلام يازمان ، وأمره بركوب البحر إلى مصر ، ودخول النيل ، وقطع المواد عن مصر ، ففعل ، وضيق عليهم .

وزحف إليهم محمد بن سليمان في الجيوش ، في البر ، حتى دنا من مصر ، وكاتب من بها من القواد ; وكان أول من خرج إليه بدر الحمامي ، وكان رئيسهم ، فكسرهم ذلك ، وتتابع المستأمنة من قواد المصريين ، فلما رأى ذلك هارون خرج فيمن معه لقتال محمد بن سليمان ، فكانت بينهم وقعات ، ثم وقع بين أصحاب هارون في بعض الأيام عصبية ، فاقتتلوا ، فخرج هارون يسكنهم ، فرماه بعض المغاربة بمزراق معه فقتله ، فلما قتل قام عمه شيبان بالأمر من بعده ، وبذل المال للجند ، فأطلقوه وقاتلوا معه ، فأتتهم كتب بدر يدعوهم إلى الأمان ، فأجابوه إلى ذلك .

فلما علم محمد بن سليمان الخبر سار إلى مصر ، فأرسل إليه شيبان يطلب الأمان ، فأجابه ، فخرج إليه ليلا ، لم يعلم به أحد من الجند ، فلما أصبحوا قصدوا داره ، ولم يجدوه ، فبقوا حيارى ، لما وصل محمد مصر دخلها ، واستولى على دور آل طولون ، وأموالهم ، وأخذهم جميعا ، وهم بضعة عشر رجلا ، فقيدهم ، وحبسهم ، واستقصى أموالهم ، ( وكان ذلك في صفر ) ، وكتب بالفتح إلى المكتفي ، فأمر بإشخاص آل طولون وأسبابهم من مصر والشام إلى بغداذ ، لا يترك منهم أحدا ، ففعل ذلك ، وعاد إلى بغداذ ، وولى معونة مصر عيسى النوشري .

وانقضت دولة الطولونية عن الديار المصرية ثم ظهر بمصر إنسان يعرف بالخلنجي ، وهو من قوادهم ، وكان تخلف عن محمد بن سليمان ، فاستمال جماعة ، وخالف على السلطان ، وكثر جمعه ، وعجز النوشري ( عنه ، فسار ) إلى الإسكندرية ، ودخل إبراهيم الخلنجي مصر ، وكتب النوشري إلى المكتفي بالخبر ، فسير إليه الجنود مع فاتك مولى المعتضد ، وبدر الحمامي ، فساروا في شوال نحو مصر .

التالي السابق


الخدمات العلمية