إمارة بني حمدان بالموصل وما فعلوه بالأكراد

في سنة ثلاث وتسعين ومائتين ولى المكتفي بالله الموصل وأعمالها أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي العدوي ، فسار إليها ، فقدمها أول المحرم ، فأقام بها يومه ، وخرج من الغد ( لعرض الرجال ) الذين قدموا معه ، والذين بالموصل ، فأتاه الصريخ من نينوى بأن الأكراد الهذبانية ، ومقدمهم محمد بن بلال ، قد أغاروا على البلد ، وغنموا كثيرا منه ، فسار من وقته وعبر الجسر إلى الجانب الشرقي ، فلحق الأكراد بالمعروبة على الخازر ، فقاتلوه ، فقتل رجل من أصحابه اسمه سيما الحمداني ، فعاد عنهم ، وكتب إلى الخليفة يستدعي النجدة ، فأتته النجدة بعد شهور كثيرة ، وقد انقضت سنة ثلاث وتسعين ودخلت سنة أربع وتسعين .

ففي ربيع الأول منها سار فيمن معه إلى الهذبانية ، وكانوا قد اجتمعوا في خمسة آلاف بيت ، فلما رأوا جده ( في طلبهم ) ساروا إلى البابة التي في جبل السلق ، وهو مضيق في جبل عال مشرف على شهرزور ، فامتنعوا [ بها ] وأغار مقدمهم محمد بن بلال ، وقرب من ابن حمدان ، وراسله في أن يطيعه ويحضر هو وأولاده ، ويجعلهم عنده يكونون رهينة ، ويتركون الفساد ، فقبل ابن حمدان ذلك ، فرجع محمد ليأتي بمن ذكر ، فحث أصحابه على المسير نحو أذربيجان ، وإنما أراد في الذي فعله مع ابن حمدان أن يترك الجد في الطلب ليأخذ ( أصحابه أهبتهم ويسيروا آمنين .

فلما تأخر عود محمد عن ابن حمدان علم مراده ، فجرد معه جماعة من جملتهم ) إخوته سليمان ، وداود ، وسعيد وغيرهم ممن يثق به وبشجاعته ، وأمر النجدة التي جاءته من الخليفة أن يسيروا معه ، فتثبطوا ، فتركهم وسار يقفو أثرهم ، فلحقهم وقد تعلقوا بالجبل المعروف بالقنديل ، فقتل منهم جماعة ، ( وصعدوا ذروة ) الجبل ، وانصرف ابن حمدان عنهم .

ولحق الأكراد بأذربيجان ، وأنهى ابن حمدان ما كان من حالهم إلى الخليفة والوزير فأنجدوه بجماعة صالحة وعاد إلى الموصل فجمع رجاله وسار إلى جبل السلق ، وفيه محمد بن بلال ومعه الأكراد ، فدخله ابن حمدان ، والجواسيس بين يديه ، خوفا من كمين يكون فيه ، وتقدم من بين يدي أصحابه ، وهم يتبعونه ، فلم يتخلف منهم أحد ، وجاوزوا الجبل ، وقاربوا الأكراد ، وسقط عليهم الثلج ، واشتد البرد ، وقلت الميرة والعلف عندهم ، وأقام على ذلك عشرة أيام ، وبلغ الحمل [ من ] التبن ثلاثين درهما ، ثم عدم عندهم وهو صابر .

فلما رأى الأكراد صبرهم وأنهم لا حيلة لهم في دفعهم لجأ محمد بن بلال وأولاده ومن لحق به ، واستولى ابن حمدان على بيوتهم ، وسوادهم ، وأهلهم ، وأموالهم ، وطلبوا الأمان فأمنهم ، وأبقى عليهم ، وردهم إلى بلد حزة ، ورد عليهم أموالهم وأهليهم ، ولم يقتل منهم غير رجل واحد ، وهو الذي قتل صاحبه سيما الحمداني ، وأمنت البلاد معه ، وأحسن السيرة في أهلها .

ثم إن محمد بن بلال طلب الأمان من ابن حمدان فأمنه ، وحضر عنده ، وأقام بالموصل ، وتتابع الأكراد الحميدية ، وأهل جبل داسن إليه بالأمان ، فأمنت البلاد واستقامت .

التالي السابق


الخدمات العلمية