ذكر عدة حوادث
وفي سنة إحدى وثلاثمائة كثرت الأمراض الدموية ، ومات بها خلق كثير وأكثرهم بالحربية ، فإنها أغلقت بها دور كثيرة لفناء أهلها . وفيها في صفر ، ( عزل أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان عن الموصل ) ، وقلد يمن الطولوني المعونة بالموصل ، ثم صرف عنها في هذه السنة ، واستعمل عليها نحرير ( الخادم ) الصغير .
وفيها خالف أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان على المقتدر فسير إليه مؤنس المظفر وعلى مقدمته بني بن نفيس ، خرج إلى الموصل منتصف صفر ومعه جماعة من القواد ، وخرج مؤنس في ربيع الأول ، فلما علم أبو الهيجاء بذلك قصد مؤنسا مستأمنا من تلقاء نفسه ، وورد معه إلى بغداذ ، فخلع المقتدر عليه .
وفيها
توفي دميانة أمير الثغور وبحر الروم ، وقلد مكانه ابن بلك . وفيها غزا الحسين بن حمدان الصائفة ففتح حصونا كثيرة من بلاد الروم وقتل أمما لا يحصون كثرة .
وفيها عزل المقتدر محمد بن عبيد الله عن وزارته وقلدها علي بن عيسى ، وكان من خيار الوزراء وأقصدهم للعدل والإحسان واتباع الحق . وفيها وصلت هدايا صاحب عمان وفيها ببغة بيضاء وغزال أسود .
وفي شعبان منها ركب المقتدر إلى باب الشماسية على الخيل ثم انحدر إلى داره في دجلة ، وكانت أول ركبة ركبها جهرة للعامة . وفيها جيء
بالحسين بن منصور الحلاج إلى بغداد وهو مشهور على جمل وغلام له راكب جملا آخر ينادي عليه : هذا أحد
دعاة القرامطة فاعرفوه . ثم حبس ثم أحضر إلى مجلس الوزير فناظره فإذا هو لا يقرأ القرآن ولا يعرف من الحديث ولا الفقه ولا اللغة ولا الأخبار ولا الشعر شيئا ، وكان الذي نقم عليه أنه وجدت له رقاع يدعو فيها الناس إلى الضلالة والجهالة بأنواع من الرموز ، يقول في مكاتباته كثيرا : تبارك ذو النور الشعشعاني ، فقال له الوزير علي بن عيسى : تعلمك الطهور والفروض أجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول فيها وما أحوجك إلى الأدب ، ثم أمر به فصلب حيا صلب الاشتهار لا القتل ، ثم أنزل فأجلس في دار الخلافة ، فجعل يظهر لهم أنه على السنة وأنه زاهد حتى اغتر به كثير من الخدام وغيرهم من أهل دار الخلافة من الجهلة والطغام حتى صاروا يتبركون به ويتمسحون بثيابه . وسيأتي ما صار إليه أمره حتى قتل بإجماع الفقهاء . وحج بالناس فيها الفضل بن عبد الملك الهاشمي . وفي هذه السنة: جرت ملاحة بين ابن الجصاص ، وإبراهيم بن [أحمد] المادرائي ، فقال إبراهيم بن أحمد: مائة ألف دينار من مالي صدقة ، لقد أبطلت في الذي حكيته عني ، فقال [له] ابن الجصاص قفيز دنانير من مالي صدقة لقد صدقت وأبطلت في قولك ، فقال له إبراهيم المادرائي : من جهلك أنك لا تعلم أن مائة ألف دينار أكثر من قفيز ، فعجب الناس من كلامهما ، واعتبر هذا فإذا القفيز ستة وتسعون ألف دينار .