أمر يوسف بن أبي الساج

كان يوسف بن أبي الساج على أذربيجان وأرمينية قد ولي الحرب ، والصلاة ، والأحكام ، وغيرها ، منذ أول وزارة ابن الفرات الأولى ، وعليه مال يؤديه إلى ديوان الخلافة ، فلما عزل ابن الفرات وولي الخاقاني الوزارة ، وبعده علي بن عيسى ، طمع فأخر حمل بعض المال ، فاجتمع له ما قويت به نفسه على الامتناع ، وبقي كذلك إلى هذه السنة .

فلما بلغه القبض على الوزير علي بن عيسى أظهر أن الخليفة أنفذ له عهدا بالري ، وأن الوزير علي بن عيسى سعى له في ذلك ، فأنفذه إليه ، وجمع العساكر وسار إلى الري وبها محمد بن علي صعلوك يتولى أمرها لصاحب خراسان ، وهو الأمير نصر بن أحمد بن إسماعيل الساماني . وكان صعلوك قد تغلب على الري ( وما يليها ) ، أيام وزارة علي بن عيسى ، ثم أرسل إلى ديوان الخلافة فقاطع عليها بمال يحمله ، فلما بلغه مسير يوسف بن أبي الساج نحوه سار إلى خراسان ، فدخل يوسف الري واستولى عليها وعلى قزوين وزنجان وأبهر ، فلما بلغ المقتدر فعله ، وقوله : إن علي بن عيسى أنفذ له العهد واللواء بذلك ، أنكره واستعظمه .

وكتب يوسف إلى الوزير ابن الفرات أن علي بن عيسى أنفذ إليه بعهده على هذه الأماكن ، وأنه افتتحها وطرد منها المتغلبين عليها ، ويعتذر بذلك ، ويذكر كثرة ما أخرجه ، فعظم ذلك على المقتدر ، وأمر ابن الفرات أن يسأل علي بن عيسى عن الذي ذكره يوسف ، فأحضره وسأله ، فأنكر ذلك ، وقال : سلوا الكتاب وحاشية الخليفة ، فإن العهد واللواء لا بد أن يسير بهما بعض خدم الخليفة ، أو بعض قواده ، فعلموا صدقه .

وكتب ابن الفرات إلى ابن أبي الساج ينكر عليه تعرضه لهذه البلاد ، وكذبه على الوزير علي بن عيسى ، وجهز العساكر لمحاربته ، وكان مسير العساكر سنة خمس وثلاثمائة .

وكان المقدم على العسكر خاقان المفلحي ، ومعه جماعة من القواد كأحمد بن مسرور البلخي ، وسيما الجزري ، ونحرير الصغير ، فساروا ، ولقوا يوسف ، واقتتلوا ، فهزمهم يوسف ، وأسر منهم جماعة ، وأدخلهم الري مشهورين على الجمال ، فسير الخليفة مؤنسا الخادم في جيش كثيف إلى محاربته ، فسار ، وانضم إليه العسكر الذي كان مع خاقان ، فصرف خاقان عن أعمال الجبل ، ووليها نحرير الصغير .

وسار مؤنس فأتاه أحمد بن علي ، وهو أخو محمد بن علي صعلوك ، مستأمنا ، فأكرمه ووصله ، وكتب ابن أبي الساج يسأل الرضى ، وأن يقاطع على أعمال الري وما يليها على سبعمائة ألف دينار لبيت المال ، سوى ما يحتاج إليه الجند وغيرهم ، فلم يجبه المقتدر إلى ذلك ، ولو بذل ملء الأرض لما أقره على الري يوما واحدا لإقدامه على التزوير ، فلما عرف ابن أبي الساج ذلك سار عن الري بعد أن أخربها ، وجبى خراجها في عشرة أيام .

وقلد الخليفة الري وقزوين وأبهر وصيفا البكتمري ، وطلب ابن أبي الساج أن يقاطع على ما كان بيده من الولاية ، فأشار ابن الفرات بإجابته إلى ذلك ، فعارضه نصر الحاجب ، وابن الحواري ، وقالا : لا يجوز أن يجاب إلى ذلك إلا بعد أن يطأ البساط .

ونسب ابن الفرات إلى مواطأة ابن أبي الساج والميل معه ، فحصل بينهما وبين ابن الفرات عداوة ، فامتنع المقتدر من إجابته إلى ذلك إلى أن يحضر في خدمته بنفسه ، فلما رأى يوسف أن دمه على خطر إن حضر لخدمته حارب مؤنسا ، فانهزم مؤنس إلى زنجان ، وقتل من قواده سيما بن بويه ، وأسر جماعة منهم ، فيهم هلال بن بدر ، فأدخلهم أردبيل مشتهرين على الجمال .

وأقام مؤنس بزنجان يجمع العساكر ، ويستمد الخليفة ، وكاتبه ابن أبي الساج في الصلح ، وتراسلا في ذلك ، وكتب مؤنس إلى الخليفة ، فلم يجبه إلى ذلك ، فلما كان في المحرم سنة سبع وثلاثمائة ، والوزير يومئذ حامد بن العباس ، اجتمع لمؤنس عسكر كبير ، فسار إلى يوسف ، فتواقعا على باب أردبيل ، فانهزم عسكر يوسف ، وأسر يوسف وجماعة من أصحابه ، وعاد بهم مؤنس إلى بغداذ ، فدخلها في المحرم أيضا ، وأدخل يوسف أيضا بغداذ مشتهرا على جمل ، وعليه برنس بأذناب الثعالب ، فأدخل إلى المقتدر ، ثم حبس بدار الخليفة عند زيدان القهرمانة .

ولما ظفر مؤنس بابن أبي الساج قلد علي بن وهسوذان أعمال الري ، ودنباوند ، وقزوين ، وأبهر ، وزنجان ، وجعل أموالها لرجاله ، وقلد أصبهان ، وقم ، وقاشان ، وساوة لأحمد بن علي بن صعلوك ، وسار عن أذربيجان . حال هذه البلاد بعد مسير مؤنس

لما سار مؤنس عن أذربيجان إلى العراق وثب سبك غلام يوسف بن أبي الساج على بلاد أذربيجان ، فملكها ، واجتمع إليه عسكر عظيم ، فأنفذ إليه مؤنس محمد بن عبيد الله الفارقي ، وقلده البلاد ، وسار إلى سبك وحاربه ، فانهزم الفارقي وسار إلى بغداذ ، وتمكن سبك من البلاد ، ثم كتب إلى الخليفة يسأل أن يقاطع على أذربيجان ، فأجيب إلى ذلك ، وقرر عليه كل سنة مائتان وعشرون ألف دينار ، وأنفذت إليه الخلع والعهد ، فلم يقف على ما قرره .

ثم وثب أحمد بن مسافر ، صاحب الطرم ، على ابن أخيه علي بن وهسوذان وهو مقيم بناحية قزوين ، فقتله على فراشه ، وهرب إلى بلده ، فاستعمل مكان علي بن وهسوذان وصيفا البكتمري ، وقلد محمد بن سليمان صاحب الجيش أعمال الخراج بها .

وسار أحمد بن علي بن صعلوك من قم إلى الري ، فدخلها ، فأنفذ الخليفة ينكر عليه ذلك ويأمره بالعود إلى قم فعاد ، ثم إنه أظهر الخلاف ، وصرف عمال الخراج عن قم ، واستعد للمسير إلى الري ، فكوتب نحرير الصغير ، وهو على همذان ، ليسير هو ووصيف إلى الري لمنع أحمد ( بن علي عنها ، فساروا إليها ، فلقيهم أحمد بن علي على باب الري ، فهزمهم ) أحمد ، وقتل محمد بن سليمان ، واستولى أحمد على الري ، وكاتب نصرا الحاجب ليصلح أمره مع الخليفة ، ففعل ذلك ، وأصلح أمره ، وقرر عليه عن الري ودنباوند وقزوين وزنجان وأبهر مائة وستين ألف دينار محمولة كل سنة إلى بغداذ ، فنزل أحمد عن قم ، فاستعمل الخليفة عليها من ينظر فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية