من توفي في سنة إحدى عشرة وثلاثمائة من الأكابر أحمد بن محمد بن هارون أبو بكر الخلال
أحمد بن محمد بن هارون أبو بكر الخلال :
سمع الحسن بن عرفة ، وسعدان بن نصر ، وغيرهما وصرف عنايته إلى الجمع لعلوم أحمد بن حنبل وطلبها وسافر لأجلها وصنفها وجمع منها ما لم يجمعه أحد وكل من تبع هذا المذهب يأخذ من كتبه ، وتوفي في يوم الجمعة قبل الصلاة ليومين خلوا من ربيع الأول من هذه السنة ، ودفن إلى جنب المروذي [في الدكة ] .
أحمد بن حفص بن يزيد أبو بكر المعافري أحمد بن حفص بن يزيد أبو بكر المعافري :
[حدث و ] روى عن عيسى بن حماد وغيره ، وكان فاضلا .
توفي في ربيع الأول من هذه السنة .
أحمد بن محمد بن الحسين ، أبو محمد الجريري أحمد بن محمد بن الحسين ، أبو محمد الجريري :
سمع سريا ، وكان الجنيد يكرمه ، وقيل له عند وفاته : إلى من نجلس بعدك ؟
فقال : إلى أبي محمد الجريري .
وعن عبد الله الرازي ، قال : سمعت الجريري ، يقول : منذ عشرين سنة ما مددت رجلي عند جلوسي في الخلوة ، فإن حسن الأدب مع الله أولى .
قال عبد الكريم : وسمعت عبد الله بن يوسف الأصبهاني يقول : سمعت أبا الفضل الصرام ، يقول : سمعت علي بن عبد الله يقول : اعتكف أبو محمد الجريري بمكة في سنة اثنتين وتسعين ومائتين ، فلم يأكل ولم ينم ولم يستند إلى حائط ، ولم يمد رجليه ، فقال له أبو بكر الكتاني : يا أبا محمد بماذا قدرت على اعتكافك ؟ فقال : علم الله صدق باطني ، فأعانني على ظاهري .
وعن أبو عبد الرحمن السلمي ، قال : سمعت أبا سعيد الرازي ، يقول : توفي الجريري سنة وقعة الهبير ، وطئته الجمال وقت الوقعة .
قال السلمي : وسمعت أبا عبد الله الرازي ، يقول : وقعة الهبير كانت في سنة إحدى عشرة وثلاثمائة .
قال ابن الجوزي، [رحمه الله ] الهبير اسم موضع عارض فيه أبو سعيد الجنابي القرمطي الحاج ، فأصاب منهم جماعة فتفرقوا فعاد وعارضهم في محرم سنة اثنتي عشرة ، وفتك بهم الفتك القبيح ، فجائز أن يكون الجريري قد هلك في المعارضة الأولى ، وإنما هلك في الطريق وبقي على حاله .
وعن عبد الكريم بن هوازن ، قال : سمعت أبا عبد الله بن باكويه الشيرازي ، يقول : سمعت أحمد بن عطاء الروذباري ، يقول : مات الجريري سنة الهبير ، فحزت عليه بعد سنة ، وإذا هو مستند جالس وركبته إلى صدره ، وهو يشير إلى الله تعالى بإصبعه .
أحمد بن حمدان بن علي بن سنان ، أبو جعفر النيسابوري أحمد بن حمدان بن علي بن سنان ، أبو جعفر النيسابوري :
لقي أبا حفص [وغيره ] وكان من الورعين ، وأسند الحديث ، وله كلام حسن ، وكان يقول : أنت تبغض [أهل ] المعاصي بذنب واحد تظنه ولا تبغض نفسك مع ما تيقنته من ذنوبك . توفي في هذه السنة .
إبراهيم بن السري بن سهل ، أبو إسحاق الزجاج إبراهيم بن السري بن سهل ، أبو إسحاق الزجاج :
كان من أهل الفضل والعلم مع حسن الاعتقاد ، وله تصانيف حسان .
وعن الزجاج ، قال : كنت أخرط الزجاج ، فاشتهيت النحو فلزمت المبرد لتعلمه ، وكان لا يعلم مجانا [ولا يعلم ] بأجرة إلا على قدرها ، فقال لي : أي شيء صناعتك ؟ قلت : أخرط الزجاج وكسبي في كل يوم درهم ونصف وأريد أن تبالغ في تعليمي وأنا أعطيك كل يوم درهما ، وأشترط لك أني أعطيك إياه أبدا إلى أن يفرق الموت بيننا استغنيت عن التعلم أو احتجت إليه ، قال : فلزمته وكنت أخدمه في أموره ومع ذلك فأعطيه الدرهم ، فينصحني في العلم حتى استقللت فجاءه كتاب بعض بني مادمة من الصراة يلتمسون معلما نحويا لأولادهم ، فقلت له : أسمني لهم ، فأسماني فخرجت فكنت أعلمهم وأنفذ إليه في كل شهر ثلاثين درهما وأتفقده بعد ذلك بما أقدر عليه ، ومضت على ذلك مدة ، فطلب منه عبيد الله بن سليمان مؤدبا لابنه القاسم ، فقال : لا أعرف لك إلا رجلا زجاجا بالصراة مع بني مادمة ، قال : فكتب إليهم عبيد الله فاستنزلهم عني فأحضرني وأسلم إلي القاسم ، فكان ذلك سبب غناي ، وكنت أعطي المبرد ذلك الدرهم في كل يوم إلى أن مات ولا أخليه من التفقد معه بحسب طاقتي .
وعن أبو إسحاق الزجاج ، قال : كنت أؤدب القاسم بن عبيد الله ، فأقول له : إن بلغك الله مبلغ أبيك ووليت الوزارة ماذا تصنع بي ؟ فيقول : ما أحببت ، فأقول : [أن ] تعطيني عشرين ألف دينار ، وكانت غاية أمنيتي ، فما مضت إلا سنون حتى ولي القاسم الوزارة وأنا على ملازمتي له ، وقد صرت نديمه ، فدعتني نفسي إلى إذكاره بالوعد ثم هبته ، فلما كان في اليوم الثالث من وزارته ، قال لي : يا أبا إسحاق ألم أرك أذكرتني بالنذر ؟ فقلت : عولت على رأي الوزير أيده الله ، وأنه لا يحتاج إلى إذكاري لنذر عليه في أمر خادم واجب الحق ، فقال لي : إنه المعتضد [بالله ] ولولاه ما تعاظمني دفع ذلك إليك في مكان واحد ، ولكن أخاف أن يصير له معك حديثا فاسمح لي أن تأخذه متفرقا ، فقلت : أفعل ، فقال : اجلس للناس وخذ رقاعهم في الحوائج الكبار ، واستجعل عليها ، ولا تمتنع من مسألتي شيئا تخاطب فيه صحيحا كان أو محالا إلى أن يحصل لك مال النذر ، ففعلت ذلك وكنت أعرض عليه كل يوم رقاعا فيوقع فيها ، وربما قال لي : كم ضمن لك على هذا ؟ فأقول : كذا وكذا فيقول : غبنت هذا يساوي كذا وكذا فاستزد ، فأراجع القوم فلا أزال أماكسهم ويزيدونني حتى أبلغ [ذاك ] الحد الذي رسمه [لي ] ، قال : وعرضت عليه شيئا عظيما فحصلت عندي عشرون ألف دينار وأكثر منها في مديدة ، فقال لي بعد شهور : يا أبا إسحاق حصل مال النذر ؟ فقلت : لا فسكت وكنت أعرض ثم يسألني في كل شهر أو نحوه هل حصل المال ؟ فأقول : لا خوفا من انقطاع الكسب إلى أن حصل عندي ضعف ذلك المال ، فسألني يوما فاستحييت من الكذب المتصل ، فقلت : قد حصل لي ذلك ببركة الوزير ، فقال فرجت والله عني فقد كنت مشغول القلب إلى أن يحصل لك ، قال : ثم أخذ الدواة فوقع لي إلى خازنه بثلاثة آلاف دينار [صلة ] فأخذتها وامتنعت أن أعرض عليه شيئا ، ولم أدر كيف أقع منه ، فلما كان من غد جئته وجلست على رسمي ، فأومأ إلي : هات ما معك ، يستدعي مني الرقاع على الرسم ، [فقلت ] ما أخذت من أحد رقعة ، لأن النذر قد وقع الوفاء به ولم أدر كيف أقع من الوزير ، فقال يا سبحان الله أتراني كنت أقطع عنك شيئا قد صار لك عادة وعلم به الناس وصارت لك به منزلة عندهم وجاه وغدو ورواح إلى بابك ولا يعلم سبب انقطاعه فيظن ذلك لضعف جاهك عندي أو تغير رتبتك ، أعرض علي على رسمك ، وخذ بلا حساب فقبلت يده وباكرته من غد بالرقاع ، وكنت أعرض عليه كل يوم إلى أن مات وقد أثلث حالي هذه .
قال ابن الجوزي [رحمه الله ] رأيت كثيرا من أصحاب الحديث والعلم يقرءون هذه الحكاية ويتعجبون مستحسنين لهذا الفعل غافلين عما تحته من القبيح ، وذلك أنه يجب على الولاة إيصال قصص المظلومين وأهل الحوائج ، فإقامة من يأخذ الأجعال على هذا قبيح حرام ، وهذا مما يهن به الزجاج وهنا عظيما ، ولا يرتفع لأنه إن كان لم يعلم ما في باطن ما قد حكاه عن نفسه فهذا جهل بمعرفة حكم الشرع ، وإن كان يعرف فحكايته في غاية القبح نعوذ بالله من قلة الفقه .
وقال أبو القاسم علي بن طلحة النحوي ، قال : سمعت أبا علي الفارسي يقول : دخلت مع شيخنا أبي إسحاق الزجاج على القاسم بن عبيد الله الوزير ، فورد إليه خادم وساره بشيء استبشر به ، ثم تقدم إلى شيخنا أبي إسحاق بالملازمة إلى أن يعود ، ثم نهض فلم يكن بأسرع من أن عاد وفي وجهه أثر الوجوم ، فسأله شيخنا عن ذلك لأنس كان بينه وبينه فقال : كانت تختلف إلينا جارية لإحدى المغنيات ، فسمتها أن تبيعني إياها فامتنعت من ذلك ، ثم أشار عليها أحد من [كان ] ينصحها بأن تهديها إلي رجاء أن أضاعف لها ثمنها ، فلما وردت أعلمني الخادم بذلك ، فنهضت مستبشرا لافتضاضها فوجدتها قد حاضت ، فكان مني ما ترى ، فأخذ شيخنا الدواة من يديه وكتب :
فارس ماض بحربته حاذق بالطعن في الظلم رام أن يدمي فريسته
فاتقته من دم بدم
وعن أبو محمد الوراق ، [قال ] جار كان لنا ، قال : كنت بشارع الأنبار وأنا صبي يوم نيروز فعبر رجل راكب فبادر بعض الصبيان ، وقلب عليه ماء ، فأنشأ يقول وهو ينفض رداءه من الماء .
إذا قل ماء الوجه قل حياؤه ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
فلما عبر قيل لنا ، هذا أبو إسحاق الزجاج . قال الطاهري : شارع الأنبار هو النافذ إلى الكبش والأسد .
وعن محمد بن أحمد المخرمي ، أنه جرى بينه وبين الزجاج وبين المعروف بمسينة ، وكان من أهل العلم شر ، واتصل ونسجه إبليس وأحكمه حتى خرج الزجاج إلى حد الشتم ، فكتب إليه مسينة :
أبى الزجاج إلا شتم عرضي لينقعه فآثمه وضره
وأقسم صادقا ما كان حر ليطلق لفظه في شتم حره
فلو أني كررت لفر مني ولكن للمنون علي كره
فأصبح قد وقاه الله شري ليوم لا وقاه الله شره
فلما اتصل هذا الخبر بالزجاج قصده راجلا حتى اعتذر إليه وسأله الصلح .
توفي الزجاج يوم الجمعة لإحدى عشرة مضت من جمادى الآخرة من هذه السنة .
بدر أبو النجم ، مولى المعتضد بالله ، ويسمى بدرا الكبير بدر أبو النجم ، مولى المعتضد بالله ، ويسمى بدرا الكبير ، ويقال له [بدر ] الحمامي :
وكان قد تولى الأعمال مع ابن طولون بمصر ، فلما قتل قدم بغداد فولاه السلطان أعمال الحرب والمغاور بفارس وكرمان ، فخرج إلى عمله وحدث عن هلال بن العلاء ، وغيره وأقام هناك وطالت أيامه حتى توفي بشيراز ثم نبش وحمل إلى بغداد ، وقام ولده محمد مقامه في حفظ البلاد . حامد بن العباس ، أبو محمد
حامد بن العباس ، أبو محمد :
استوزره المقتدر بالله سنة ست وثلاثمائة وكان موسرا له أربعمائة مملوك يحملون السلاح ، [لكل واحد منهم مماليك ] ، وكان يحجبه ألف وسبعمائة حاجب ، وكان ينظر بفارس قديما ، ودام نظره بواسط ، وكان صهره أبو الحسين بن بسطام إذا سافر كان معه أربعون بختية موقرة أسرة ليجلس عليها ، وفيها واحدة موقرة سفافيد المطبخ ، وكان معه أربعمائة سجادة للصلاة ، فلما قبض على حامد صودر صهره هذا على ثلاثمائة ألف دينار .
وكان حامد ظاهر المروءة كثير العطاء ، فحكى أبو بكر الصولي أنه شكا إليه شفيع المقتدري فناء شعيره ، فجذب الدواة وكتب له بمائة كر شعير ، فقال له ابن الحواري :
فأنا أكتب له بمائة كر ، فنظر إليه نصر الحاجب ، فكتب له بمائة كر ، وكتب لأم موسى بمائة كر ، ولمؤنس الخادم بمائة كر .
وحكى أبو علي التنوخي عن بعض الكتاب ، قال : حضرت مائدة حامد وعليها عشرون نفسا ، وكنت أسمع أنه ينفق عليها كل يوم مائتي دينار ، فاستقللت ما رأيت ثم خرجت فرأيت في الدار نيفا وثلاثين مائدة منصوبة ، على كل مائدة ثلاثون نفسا ، وكل مائدة كالمائدة التي بين يديه ، حتى البوارد والحلوى ، وكان لا يستدعي أحدا إلى طعامه بل يقدم الطعام إلى كل قوم في أماكنهم .
وعن القاضي أبو الحسن محمد بن عبد الواحد الهاشمي ، قال : كان حامد بن العباس من أوسع من رأيناه نفسا ، وأحسنهم مروءة ، وأكثرهم نعمة ، وأشدهم سخاء وتفقدا لمروءته ، وكان ينصب في داره كل يوم عدة موائد ولا يخرج من الدار أحد من الجلة والعامة والحاشية وغيرهم إذا حضر الطعام أو يأكل حتى غلمان الناس ، فربما نصب في داره في يوم واحد أربعون مائدة . وكان يجري على كل من يجرى عليه الخبز لحما وكانت جراياته كلها الحواري ، فدخل يوما إلى دهليزه فرأى فيه قشر باقلاة ، فأحضر وكيله ، وقال : [ويلك ] ! يؤكل في داري الباقلاء ؟ قال : هذا من فعل البوابين ، قال : أوليست لهم جرايات لحم ؟ قال بلى ، قال فسلهم عن السبب ، فسألهم فقالوا : لا نتهنأ بأكل اللحم دون عيالنا فنحن ننفذه إليهم لنأكله معهم ليلا ونجوع بالغدوات فنأكل الباقلاء ، فأمر حامد أن يجرى عليهم جرايات لعيالهم تحمل إلى منازلهم ، وأن يأكلوا جراياتهم في الدهليز ، ففعل ذلك ، فلما كان بعد أيام رأى قشر باقلاة في الدهليز ، فاستشاط [غيظا ] وكان حديدا فشتم وكيله وقال : ألم أضعف الجرايات ، فلم في دهليزي قشور الباقلاء ؟ فقال : إن الجرايات لما تضاعفت جعلوا الأولى لعيالاتهم في كل يوم ، وصاروا يجمعون الثانية عند القصاب ، فإذا خرجوا من النوبة ومضوا نهارا إلى منازلهم في نوبة استراحتهم فيها أخذوا ذلك مجتمعا من القصاب فتوسعوا به ، قال : فلتكن الجرايات بحالها ، وليتخذ مائدة في كل [يوم و ] ليلة تنصب غدوة قبل نصب موائدنا يطعم عليها هؤلاء ، والله لئن وجدت بعد هذا في دهليزي قشر باقلاة لأضربنك وجميعهم بالمقارع ، ففعل ذلك ، وكان ما زاد في نفقة الأموال فيه أمرا عظيما .
قال المحسن : وحدثني هبة الله بن محمد بن يوسف المنجم ، قال : حدثني جدي قال : وقفت امرأة لحامد بن العباس [على الطريق ] فشكت إليه الفقر ودفعت إليه قصة كانت معها ، فلما جلس وقع لها بمائتي دينار ، فأنكر الجهبذ دفع هذا القرار إلى مثلها ، فراجعه فقال حامد : والله ما كان في نفسي أن أهب لها إلا مائتي درهم ولكن الله تعالى أجرى لها على يدي مائتي دينار ، فلا أرجع في ذلك ، أعطها فدفع إليها ، فلما كان بعد أيام دفع إليه رجل قصة يذكر فيها أن امرأتي وأنا كنا فقراء فرفعت قصة إلى الوزير فوهب لها مائتي دينار ، فاستطالت علي بها وتريد الآن إعناتي لأطلقها فإن رأى الوزير أن يوقع لي من يكفها عني فعل ، فضحك حامد فوقع له بمائتي دينار ، وقال : قولوا له [يقول لها ] : قد صار الآن مالك مثل مالها فهي لا تطالبك بالطلاق ، فقبضها ، وانصرف غنيا .
قال المحسن : بسنده عن أبو الحسين أحمد بن الحسين بن المثنى ، قال لما قدم حامد بن العباس الأبلة يريد الأهواز وهو وزير خرجت لتلقيه ، فرأيت له حراقة ملاحوها خصيان بيض وعلى وسطها شيخ يقرأ القرآن وهي مظللة مسترة فسألت عن ذلك ، فقالوا : هذه حراقة الحرم لا يحسن أن يكون ملاحوها فحولة .
قال المحسن : بسنده عن أبو عبد الله القنوتي ، قال : ركب حامد وهو عامل واسط إلى بستان [له ] فرأى بطريقه دارا محترقة وشيخا يبكي ويولول ، وحوله صبيان ونساء على مثل حاله ، فسأل عنه ، فقيل :
هذا رجل تاجر احترقت داره وافتقر فوجم ساعة ، ثم قال : أين فلان الوكيل ؟ فجاء ، فقال له : أريد أن أندبك لأمر إن عملته كما أريد فعلت بك وصنعت - وذكر جميلا - وإن تجاوزت فيه رسمي فعلت بك وصنعت - وذكر قبيحا - فقال : مر بأمرك ، فقال ترى هذا الشيخ قد آلمني قلبي له ، وقد تنغصت علي نزهتي بسببه ، وما تسمح نفسي بالتوجه إلى بستاني إلا بعد أن تضمن لي أنني إذا عدت العشية من النزهة وجدت الشيخ في داره وهي كما كانت مبنية مجصصة نظيفة ، وفيها صنوف المتاع والفرش والصفر كما كانت ، وتباع له ولعياله كسوة الشتاء والصيف مثل ما كان لهم ، فقام الوكيل فتقدم إلى الخازن بأن يطلق ما أريده وإلى صاحب المعونة أن يقف معي ويحضر من أطلبه من الصناع ، فتقدم حامد بذلك - وكان الزمان صيفا - فتقدم بإحضار أصناف الروزجارية ، فكانوا ينقضون بيتا ويقيمون فيه من يبنيه ، وقيل لصاحب الدار اكتب جميع ما ذهب منك حتى المكنسة والمقدحة ، وصليت العصر وقد سقفت الدار ، وجصصت ، وغلقت الأبواب ، ولم يبق غير الطوابيق ، فأنفذ الرجل إلى حامد وسأله التوقف في البستان وأن لا يركب منه إلى أن يصلي عشاء الآخرة ، فبيضت الدار ، وكنست وفرشت ، ولبس الشيخ وعياله الثياب ، ودفعت إليهم الصناديق والخزائن مملوءة بالأمتعة ، فاجتاز حامد والناس قد اجتمعوا كأنه يوم عيد يضجون بالدعاء له ، فتقدم حامد إلى الجهبذ بخمسة آلاف درهم يدفعها إلى الشيخ يزيدها في بضاعته ، وسار حامد إلى داره .
قال المحسن : حدثني أبو الحسن بن المأمون الهاشمي : أنه وجد لحامد في نكبته التي قتل فيها في بئر لمستراح له أربعمائة ألف دينار [عينا ] دل عليها لما اشتدت به المطالبة .
وأخبرني غيره أن حامدا كان عمل حجرة وجعل فيها مستراحا ، وكان يتقدم إلى وكيله أن يجيء بالدنانير ، فكلما حصل له كيس أخذه تحت ثيابه وقام كأنه يبول ، فدخل ذلك المستراح ، فألقى الكيس في البئر وخرج من غير أن يصب فيها ماء ولا يبول ويوهم الفراش أنه فعل ذلك ، فإذا خرج قفل المستراح ولم يدخله غيره على رسم مستراحات الملوك ، فإذا أراد الدخول فتحه له الخادم المرسوم بالوضوء وذلك الخادم [المرسوم بالوضوء ] لا يعلم السر في ذلك ، فلما تكامل المال ، قال : هذا المستراح فسد فسدوها ، [فسد ] وعطل ، فلما اشتدت به المطالبة دل عليه فأخرج ما فيه .
ولما عزل المقتدر حامدا قرر مع ابن الفرات أنه لا ينكبه ، وقال : خدمنا بغير رزق ، وشرط أن يناظر بمحضر من القضاة والكتاب ، وكان قد وقع بينه وبين مفلح الخادم وجرى بينهما [مخاشنة ] ، فقال حامد : والله لأبتاعن مائة أسود أجعلهم قوادا ، وأسمي كل واحد منهم مفلحا ، فأدى عنه مفلح إلى الخليفة ما لم يقله ، وأشار بأن ينفذ إلى ابن الفرات ، وقال : إن لم يكن في قبضه وقفت أموره ، فتقدم الخليفة بذلك وأمر ابن الفرات أن يفرد له دارا حسنة ، ويفرش له فرشا جميلا ، ويحضر ما يختار من الأطعمة ، وباع حامد داره التي [كانت له ] على الصراة من نازوك باثني عشر ألف دينار ، وباع خادما له عليه بثلاثة آلاف دينار ، وأقر حامد بألف ألف دينار ومائتي ألف دينار ، وأحدر إلى واسط في رمضان هذه السنة فتسلمه محمد بن عبد الله البزوفري ، وكان ينظر من قبل لحامد ، فأراد البزوفري أن يحتاط لنفسه حين مرض حامد ، فأحضر قاضي واسط وشهودها يخبرهم أنه مات حتف أنفه ، فلما دخل الشهود عليه قال لهم : ابن الفرات الكافر الفاجر الرافضي عاهدني وحلف بأيمان البيعة إن أقررت بأموالي صانني عن المكروه ، فلما أقررت سلمني إلى ابنه فقدم لي بيضا مسموما فلا صنع للبزوفري في دمي إلى وقتنا هذا ، ولكنه كفر إحساني . توفي حامد في رمضان هذه السنة .
عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن حماد بن يعقوب . أبو محمد الأنماطي المدائني
عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن حماد بن يعقوب . أبو محمد الأنماطي المدائني :
سكن بغداد وحدث بها عن الصلت بن مسعود الجحدري ، وعثمان بن أبي شيبة . روى عنه ابن الجعابي ، وابن مظفر . وقال الدارقطني : ثقة مأمون .
توفي في ذي القعدة من هذه السنة .
محمد بن إسحاق بن خزيمة ، [بن المغيرة ] بن صالح بن بكر السلمي محمد بن إسحاق بن خزيمة ، [بن المغيرة ] بن صالح بن بكر السلمي ، مولى مجشر بن مزاحم ، أبو بكر :
طاف البلاد في طلب الحديث ، فسمع بنيسابور من ابن راهويه وغيره ، وبمرو من علي بن حجر وغيره ، وبالري من محمد بن مهران وغيره ، وببغداد من أحمد بن منيع وغيره ، وبالبصرة من بشر بن معاذ العقدي وغيره ، وبالكوفة من أبي كريب وغيره ، وبالحجاز من عبد الجبار بن العلاء وغيره [وبالشام من موسى بن سهل الرملي وغيره ، وبالجزيرة من عبد الجبار بن العلاء وغيره ] ، وبمصر من يونس بن عبد الأعلى وغيره ، و [سمع ] بواسط من محمد بن حرب وغيره ، روى عنه جماعة من مشايخه منهم البخاري ومسلم ، وكان مبرزا في علم الحديث وغيره .
وعن أبو محمد بن الخطيب ، قال : سمعت أبا الحارث روح بن أحمد بن روح ، يقول : سمعت أبا العباس أحمد بن المظفر البكري ، يقول : سمعت محمد بن هارون الطبري ، يقول : كنت أنا ومحمد بن نصر المروزي ، ومحمد بن علويه الوزان ، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة على باب الربيع بن سليمان بمصر نسمع منه كتب الشافعي ، فبقينا ثلاثة أيام بلياليهن لم نطعم شيئا ، وفنيت أزوادنا . فقلت : الآن قد حلت لنا المسألة ، فمن يسأل ؟ فاستحيا كل واحد منا أن يسأل ، فقلنا نقترع فوقعت القرعة على محمد بن إسحاق بن خزيمة ، فقال : دعوني أصلي ركعتين . وسجد يدعو بدعاء الاستخارة ، إذ قرع علينا الباب ، فخرج واحد فإذا هو رجل خادم لأحمد بن طولون أمير مصر وبين يديه شمعة [وخلفه شمعة ] فاستأذن فدخل ثم سلم وجلس وأدخل يده في كمه فأخرج رقعة ، فقال : من محمد بن نصر المروزي ؟ فقلنا : هذا ، فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فأعطاه ، ثم قال : إن الأمير أحمد بن طولون يقرأ عليك السلام ويقول [لك ] استنفق هذا فإذا فني بعثنا إليك مثله ، [قال : من محمد بن علويه الوزان ؟ فقلنا : هذا ، فأعطاه مثل ذلك ] ثم قال : من محمد بن هارون الطبري ؟ فقلت : أنا ، فأعطاني مثل ذلك ، ثم قال : من محمد بن إسحاق بن خزيمة ؟ فقلنا : هو ذاك الساجد ، فأمهله حتى رفع رأسه من السجدة فأعطاه مثل ذلك . فقلنا له : لا نقبل هذا منك حتى تخبرنا بالقصة فقال : إن الأمير أحمد بن طولون كان قائلا نصف النهار ، إذ آتاه آت في منامه ، فقال : يا أحمد ، ما حجتك غدا عند الله إذا وقفت بين يديه فسألك عن أربعة من أهل العلم طووا منذ ثلاثة أيام لم يطعموا شيئا ؟ فانتبه فزعا مذعورا ، فكتب أسماءكم وصرر هذه الصرر وبعثني في طلبكم ، وكنت أستخبر خبركم حتى وجدتكم الآن . [قال ابن الجوزي ] وقد سبق نحو هذه الحكايات عن الحسن بن سفيان النسوي .
توفي أبو بكر بن خزيمة ليلة السبت ثامن ذي القعدة من هذه السنة ، ودفن في حجرة من داره ، ثم صيرت تلك الدار مقبرة .
محمد بن أحمد بن الصلت بن دينار ، أبو بكر الكاتب محمد بن أحمد بن الصلت بن دينار ، أبو بكر الكاتب :
سمع وهب بن بقية وغيره ، وربما سمي أحمد بن محمد بن الصلت إلا أن الأول أشهر .
وعن عمر بن جعفر البصري ، قال : محمد بن أحمد بن الصلت ثقة مأمون .
توفي في المحرم من هذه السنة .
محمد بن إسماعيل بن علي بن النعمان بن راشد ، أبو بكر البندار المعروف بالبصلاني محمد بن إسماعيل بن علي بن النعمان بن راشد ، أبو بكر البندار المعروف بالبصلاني :
سمع علي بن الحسين الدرهمي ، وخالد بن يوسف السمتي ، وبندار وغيرهم .
وعن علي بن محمد بن نصر الدينوري ، قال : سمعت حمزة بن يوسف السهمي ، يقول : سألت الدارقطني عن محمد بن إسماعيل البصلاني ، فقال : ثقة .
توفي في شعبان هذه السنة .
يانس الموفقي يانس الموفقي :
كان في أصل سور داره ، من خيار الفرسان والرجالة ألف مقاتل .
توفي في هذه السنة ، وخلف ضياعا تغل ثلاثين ألف دينار .
وممن توفي فيها من الأعيان :
عمر بن محمد بن بجير البجيري عمر بن محمد بن بجير البجيري صاحب " الصحيح " .