ابتداء الوحشة بين المقتدر ومؤنس

في سنة خمس عشرة وثلاثمائة هاجت الروم ، وقصدوا الثغور ، ودخلوا سميساط ، وغنموا جميع ما فيها من مال وسلاح وغير ذلك ، وضربوا في الجامع بالناقوس أوقات الصلوات .

ثم إن المسلمين خرجوا في أثر الروم ، وقاتلوهم ، وغنموا منهم غنيمة عظيمة ، فأمر المقتدر بالله بتجهيز العساكر مع مؤنس المظفر ، وخلع المقتدر عليه ، في ربيع الآخر ، ليسير ، فلما لم يبق إلا الوداع امتنع مؤنس من دخول دار الخليفة للوداع ، واستوحش من المقتدر بالله ( وظهر ذلك .

وكان سببه أن خادما من خدام المقتدر حكى لمؤنس أن المقتدر بالله ) أمر خواص خدمه أن يحفروا جبا في دار الشجرة ، ويغطوه ببراية وتراب ، وذكر أنه يجلس فيه لوداع مؤنس ، فإذا حضر وقاربها ألقاه الخدم فيها ، وخنقوه ، وأظهروه ميتا ، فامتنع مؤنس من دخول دار الخليفة ، وركب إليه جميع الأجناد ، وفيهم عبد الله بن حمدان وإخوته ، وخلت دار الخليفة ، وقالوا لمؤنس : نحن نقاتل بين يديك إلى أن تنبت لك لحية ، فوجه إليه المقتدر رقعة بخطه يحلف له على بطلان ما بلغه ، فصرف مؤنس الجيش ، وكتب الجواب أنه العبد المملوك ، وأن الذي أبلغه ذلك قد كان وضعه من يريد إيحاشه من مولاه ، وأنه ما استدعى الجند ، وإنما هم حضروا ، وقد فرقهم .

فطابت نفسه ، وركب إلى دار الخلافة في غلمان قلائل ، فلما دخل على الخليفة خاطبه مخاطبة عظيمة ، وحلف له أنه طيب القلب عليه ، وله عنده الصفاء الذي يعرفه ، وخرج من بين يديه معظما مكرما ، وركب أبو العباس بن المقتدر ، والوزير علي بن عيسى ونصر الحاجب في خدمته لتوديعه ، وكبار الأمراء بين يديه مثل الحجبة ، وكان خروجه يوما مشهودا ، قاصدا بلاد الثغور لقتال الروم . فلما بلغ الوزير علي بن عيسى ونصر الحاجب ] معه إلى دار مبارك القمي حلف عليهما بأن يرجعا ، فعدلا إلى شاطئ دجلة وانصرفا في طياريهما ، وصار باقي القواد والأستاذان معه إلى مضربه ، وكان سليمان بن الحسن يسايره ، وهارون بن غريب ، ويلبق ، وبشرى ، ونازوك ، وطريف العسكري يسيرون بين يديه كما تسير الحجاب ، ورحل مؤنس من مضربه يوم الأحد لليلتين بقيتا من ربيع الآخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية