ذكر خلافة المستكفي بالله

هو المستكفي بالله أبو القاسم عبد الله بن المكتفي بالله علي بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن أبي أحمد الموفق بن المتوكل على الله ، يجتمع هو والمتقي لله في المعتضد ، لما قبض توزون على المتقي لله ، أحضر المستكفي إليه إلى السندية ، وبايعه هو وعامة الناس .

وكان سبب البيعة له ما حكاه أبو العباس التميمي الرازي ، وكان من خواص توزون ، قال : كنت أنا السبب في البيعة للمستكفي ، وذلك أنني دعاني إبراهيم بن الزوبيندار الديلمي ، فمضيت إليه ، فذكر لي أنه تزوج إلى قوم وأن امرأة منهم قالت له : إن المتقي هذا قد عاداكم وعاديتموه ، وكاشفكم ولا يصفو قلبه لكم ، وها هنا رجل من أولاد الخلفاء من ولد المكتفي - وذكرت عقله ، وأدبه ، ودينه - تنصبونه للخلافة فيكون صنيعتكم وغرسكم ، ويدلكم على أموال جليلة لا يعرفها غيره ، وتستريحون من الخوف والحراسة .

قال : فعلمت أن هذا أمر لا يتم إلا بك ، فدعوتك له ، فقلت : أريد [ أن ] أسمع كلام المرأة ، فجاءني بها ، فرأيت امرأة عاقلة جزلة ، فذكرت لي نحوا من ذلك ، فقلت : لا بد أن ألقى الرجل ، فقالت : تعود غدا إلى ها هنا حتى أجمع بينكما ، فعدت إليها من الغد ، فوجدته قد أخرج من دار ابن طاهر في زي امرأة ، فعرفني نفسه ، وضمن إظهار ثمانمائة ألف دينار منها مائة ألف لتوزون ، وذكر وجوهها وخاطبني خطاب رجل فهم عاقل ، ورأيته يتشيع ، قال : فأتيت توزون فأخبرته ، فوقع كلامي بقلبه ، وقال : أريد [ أن ] أبصر الرجل ، فقلت : لك ذلك ، ولكن اكتم أمرنا من ابن شيرزاد ، فقال : أفعل ، وعدت إليهم وأخبرتهم الذي ذكر ، ووعدتهم حضور توزون من الغد .

فلما كان ليلة الأحد لأربع عشرة خلت من صفر ، مشيت مع توزون مستخفيين ، فاجتمعنا به ، وخاطبه توزون وبايعه تلك الليلة ، وكتم الأمر ، فلما وصل المتقي ، قلت لتوزون لما لقيه : أنت على ذلك العزم ؟ قال : نعم ، قلت : فافعله الساعة ، فإنه إن دخل الدار بعد عليك مرامه ، فوكل به وسمله ، وجرى ما جرى .

وبويع المستكفي بالخلافة يوم خلع المتقي . وأحضر المتقي ، فبايعه وأخذ منه البردة والقضيب ، وصارت تلك المرأة قهرمانة المستكفي ، وسمت نفسها علما ، وغلبت على أمره كله .

واستوزر المستكفي بالله أبا الفرج محمد بن علي السامري يوم الأربعاء لست بقين من صفر ، ولم يكن له إلا اسم الوزارة ، والذي يتولى الأمور ابن شيرزاد ، وحبس المتقي ، وخلع المستكفي بالله على توزون خلعة وتاجا ، وطلب المستكفي بالله أبا القاسم الفضل بن المقتدر بالله ، وهو الذي ولي الخلافة ، ولقب " المطيع لله " ; لأنه كان يعرفه يطلب الخلافة ، فاستتر مدة خلافة المستكفي ، فهدمت داره التي على دجلة عند دار ابن طاهر ، حتى لم يبق منها شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية