ذكر
خلافة المطيع لله
لما ولي المستكفي بالله الخلافة ، خافه المطيع ، وهو أبو القاسم الفضل بن المقتدر ; لأنه كان بينهما منازعة ، وكان كل منهما يطلب الخلافة ، وهو يسعى فيها ، فلما ولي المستكفي ( خافه واستتر منه ، فطلبه المستكفي ) أشد الطلب ، فلم يظفر به ، فلما قدم معز الدولة بغداذ ، قيل : إن المطيع انتقل إليه ، واستتر عنده ، وأغراه بالمستكفي حتى قبض عليه وسمله ، فلما قبض المستكفي ، بويع للمطيع لله بالخلافة يوم الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة ، ولقب المطيع لله ، وأحضر المستكفي عنده ، فسلم عليه بالخلافة ، وأشهد على نفسه بالخلع .
وازداد أمر الخلافة إدبارا ، ولم يبق لهم من الأمر شيء البتة ، وقد كانوا يراجعون ويؤخذ أمرهم فيما يفعل ، والحرمة قائمة بعض الشيء ، فلما كان أيام معز الدولة ، زال ذلك جميعه ، بحيث أن الخليفة لم يبق له وزير ، إنما كان له كاتب يدبر أقطاعه وإخراجاته لا غير ، وصارت الوزارة لمعز الدولة يستوزر لنفسه من يريد .
وكان من أعظم الأسباب في ذلك أن الديلم كانوا يتشيعون ، ويغالون في التشيع ، ويعتقدون أن العباسيين قد غصبوا الخلافة وأخذوها من مستحقيها ، فلم يكن ( عندهم ) باعث ديني يحثهم على الطاعة ، حتى لقد بلغني أن معز الدولة استشار جماعة من خواص أصحابه في إخراج الخلافة من العباسيين والبيعة للمعز لدين الله العلوي ، أو لغيره من العلويين ، فكلهم أشار عليه بذلك ما عدا بعض خواصه ، فإنه قال : ليس هذا برأي فإنك اليوم مع خليفة تعتقد أنت وأصحابك أنه ليس من أهل الخلافة ، ولو أمرتهم بقتله لقتلوه ( مستحلين دمه ) ، ومتى أجلست بعض العلويين خليفة ، كان معك من يعتقد أنت وأصحابك صحة خلافته ، فلو أمرهم بقتلك لفعلوه ، فأعرض عن ذلك ، فهذا كان من أعظم الأسباب في زوال أمرهم ونهبهم مع حب الدنيا وطلب التفرد بها .
وتسلم معز الدولة العراق بأسره ، ولم يبق بيد الخليفة منه شيء البتة ، إلا ما أقطعه معز الدولة مما يقوم ببعض حاجته . و المطيع لله
أمه أم ولد يقال لها:
مشغلة أدركت خلافته ، وكان له يوم بويع: ثلاث وثلاثون سنة ، وخمسة أشهر ، وأيام ، ولما بويع أحضر المستكفي فسلم عليه بالخلافة ، وأشهد على نفسه بالخلع ، وصودر خواص المستكفي فأخذ منهم ألوف كثيرة ، ووصل المطيع العباسيين العلويين في يوم بنيف وثلاثين ألف دينار على إضافته ، ووصل خادم من المدينة فذكر ما يلحق حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التفريط ، وقطع مواد الطيب وغيره عنها ، فأمر للخادم بعشرين ألف درهم ، وتقدم بحمل الطيب وضم إليه خمسة من الخدم ليكونوا في خدمة الحجرة ، ونفذ مع أبي أحمد الموسوي قنديلا من ذهب وزنه ستمائة مثقال ، وتسع قناديل من فضة ليعلقها في الكعبة .
قال أبو الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي : سمعت المطيع لله يقول: وقد أحدق به خلق كثير من الحنابلة حزروا ثلاثين ألفا فأراد أن يتقرب إليهم فقال: سمعت شيخي ابن بنت منيع يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا مات أصدقاء الرجل ذل .