ذكر استيلاء معز الدولة على الموصل وعوده عنها

قد ذكرنا صلح معز الدولة مع ناصر الدولة على ألفي ألف درهم كل سنة ، فلما كان هذه السنة ، أخر ناصر الدولة حمل المال ، فتجهز معز الدولة إلى الموصل وسار نحوها منتصف جمادى الأولى ، ومعه وزيره المهلبي ، ففارقها ناصر الدولة إلى نصيبين ، واستولى معز الدولة على الموصل .

فكان من عادة ناصر الدولة إذا قصده أحد ، سار عن الموصل واستصحب معه جميع الكتاب ، والوكلاء ، ومن يعرف أبواب المال ، ومنافع السلطان ، وربما جعلهم في قلاعه كقلعة كواشى ، والزعفران ، وغيرهما ، وكانت قلعة كواشى تسمى ذلك الوقت قلعة أردمشت ، وكان ناصر الدولة يأمر العرب بالإغارة على العلافة ومن يحمل الميرة ، فكان الذي يقصد بلاد ناصر الدولة يبقى محصورا مضيقا عليه .

فلما قصده معز الدولة هذه المرة فعل ذلك به ، فضاقت الأقوات على معز الدولة وعسكره ، وبلغه أن بنصيبين من الغلات السلطانية شيئا كثيرا ، فسار عن الموصل نحوها ، واستخلف بالموصل سبكتكين الحاجب الكبير ، فلما توسط الطريق ، بلغه أن أولاد ناصر الدولة أبا المرجى وهبة الله بسنجار في عسكر ، فسير إليهم عسكرا ، فلم يشعر أولاد ناصر الدولة بالعسكر إلا وهو معهم ، فعجلوا عن أخذ أثقالهم ، فعاد أولاد ناصر الدولة إليهم وهم غارون ، فوضعوا السيف فيهم فقتلوا ، وأسروا ، وأقاموا بسنجار .

وسار معز الدولة إلى نصيبين ، ففارقها ناصر الدولة إلى ميافارقين ، ففارقه أصحابه وعادوا إلى معز الدولة مستأمنين ، فلما رأى ناصر الدولة ذلك سار إلى أخيه سيف الدولة بحلب ، فلما وصل خرج إليه ولقيه ، وبالغ في إكرامه ، وخدمه بنفسه ، حتى إنه نزع خفه بيديه .

وكان أصحاب ناصر في حصونه ببلد الموصل ، والجزيرة ، يغيرون على أصحاب معز الدولة بالبلد ، فيقتلون فيهم ، ويأسرون منهم ، ويقطعون الميرة عنهم .

ثم إن سيف الدولة راسل معز الدولة في الصلح ، وترددت الرسل ( في ذلك ) ، فامتنع معز الدولة في تضمين ناصر الدولة لخلفه معه مرة بعد أخرى ، فضمن سيف الدولة البلاد منه بألفي درهم وتسعمائة ألف درهم ، وإطلاق من أسر من أصحابه بسنجار وغيرها ، وكان ذلك في المحرم سنة ثمان وأربعين [ وثلاثمائة ] .

وإنما أجاب معز الدولة إلى الصلح بعد تمكنه من البلاد ; لأنه ضاقت عليه الأموال ، وتقاعد الناس في حمل الخراج ، واحتجوا بأنهم لا يصلون إلى غلاتهم ، وطلبوا الحماية من العرب أصحاب ناصر الدولة ، فاضطر معز الدولة إلى الانحدار ، وأنف من ذلك ، فلما وردت عليه رسالة سيف الدولة ، استراح إليها ، وأجابه إلى ما طلبه من الصلح ، ثم انحدر إلى بغداذ .

التالي السابق


الخدمات العلمية