ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

2643 - أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد ، أبو الطيب الجعفي الشاعر المعروف: بالمتنبي

:

كان أبوه يعرف بعبدان ، قال شيخنا ابن ناصر: سمعت أبا زكريا يقول: سمعت أبا القاسم بن برهان ، يقول: عبدان بفتح العين جمع عبدانة ، وهي النخلة الطويلة ، ومن قال: عبدان بكسر العين فقد أخطأ .

ولد المتنبي بالكوفة سنة ثلاث وثلاثمائة ، ونشأ بالشام فأكثر المقام بالبادية ، وطلب الأدب ، وعلم العربية ، وفاق أهل عصره في الشعر ، واتصل بالأمير أبي الحسن بن حمدان المعروف بسيف الدولة ، فانقطع إليه ، وأكثر القول في مديحه ، ثم مضى إلى مصر فمدح [بها] كافورا الخادم [الإخشيدي ثم] ورد [بعد ذلك] بغداد .

قال أبو الحسن محمد بن يحيى العلوي :

كان المتنبي وهو صبي ينزل في جوار بالكوفة ، وكان أبوه يعرف بعبدان السقاء ، يستقي لنا ولأهل المحلة ، ونشأ هو محبا للعلم والأدب ، وصحب الأعراب فجاءنا بعد سنين بدويا قحا وكان تعلم الكتابة والقراءة ، وأكثر من ملازمة الوراقين .

فأخبرني وراق كان يجلس إليه ، قال لي: ما رأيت أحفظ من هذا الفتى ابن عبدان ، قلت له: كيف؟ قال: كان اليوم عندي وقد أحضر رجل كتابا من كتب الأصمعي نحو ثلاثين ورقة ليبيعه ، فأخذ ينظر فيه طويلا ، فقال له الرجل: يا هذا أريد بيعه وقد قطعتني عن ذلك ، وإن كنت تريد حفظه فهذا إن شاء الله يكون بعد شهر ، فقال له:

فإن كنت قد حفظته في هذه المدة ما لي عليك ، قال: أهب لك الكتاب ، قال: فأخذت الدفتر من يده ، فأقبل يتلوه علي إلى آخره ثم استلمه فجعله في كمه ، فقام صاحبه وتعلق به وطالبه بالثمن ، فقال: ما إلى ذلك سبيل قد وهبته لي فمنعناه منه ، وقلنا له:

أنت شرطت على نفسك هذا للغلام فتركه عليه .

قال المحسن: وسألت المتنبي عن نسبه فما اعترف لي به ، وقال: أنا رجل أختط القبائل ، وأطوي البوادي وحدي ، ومتى انتسبت لم آمن أن يأخذني بعض العرب بطائلة بيننا وبين القبيلة التي أنتسب إليها ، وما دمت غير منتسب إلى أحد فأنا أسلم على جميعهم .

قال المحسن: واجتمعت بعد موت المتنبي بعد سنين مع القاضي أبي الحسن ابن أم شيبان الهاشمي ، وجرى ذكر المتنبي ، فقال: كنت أعرف أباه بالكوفة شيخا يسمى:

عبدان ، يستقي على بعير له ، وكان جعفيا صحيح النسب ، قال: وكان المتنبي لما خرج إلى كلب ، فأقام بينهم ادعى أنه علوي حسني ، ثم ادعى بعد ذلك النبوة ، ثم عاد يدعي أنه علوي إلى أن شهد عليه بالشام بالكذب في الدعوتين ، وحبس دهرا طويلا ، وأشرف على القتل ، ثم استتيب وأشهد عليه بالتوبة وأطلق .

قال المحسن: وحدثني أبو علي بن أبي حامد ، قال: سمعت خلقا كثيرا بحلب يحكون وأبو الطيب المتنبي بها إذ ذاك أنه تنبأ في بادية السماوة ونواحيها إلى أن خرج بها لؤلؤ أمير حمص ، فقاتله وأسره وشرد من كان اجتمع إليه من كلب وكلاب وغيرهما من قبائل العرب ، وحبسه دهرا طويلا فاعتل وكاد يتلف ، فسئل في أمره ، فاستتابه وكتب عليه ببطلان ما ادعاه ورجوعه إلى الإسلام ، قال: وكان قد تلا على البوادي كلاما ذكر أنه قرآنا أنزل عليه ، فمن ذلك: "والنجم السيار ، والفلك الدوار ، والليل والنهار ، إن الكافر لفي أخطار ، امض على سنتك واقف أثر من كان قبلك من المرسلين ، فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه وضل عن سبيله" .

قال: وكان المتنبي إذا شوغب في مجلس سيف الدولة فذكر أن له هذا القرآن وأمثاله مما يحكى عنه فينكره ويجحده . قال: وقال ابن خالويه النحوي يوما في مجلس سيف الدولة: لولا أن الآخر جاهل لما رضي أن يدعى بالمتنبي ، لأن "متنبي" معناه:

كاذب ، ومن رضي أنه يدعى بالكذب فهو كاذب فهو جاهل ، فقال له: أنا لست أرضى أن أدعى به وإنما يدعوني به من يريد الغض مني ، ولست أقدر على الامتناع .

قال المحسن: فأما أنا فسألته في الأهواز سنة أربع وخمسين وثلاثمائة عن معنى المتنبي ، فأجابني بجواب مغالط لي ، وقال: هذا شيء كان في الحداثة أوجبته الصورة - فاستحييت أن أستقصي عليه ، فأمسكت . علي بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول ، أبو الحسن التنوخي القاضي .

ولد في شوال سنة إحدى وثلاثمائة ، وكان حافظا للقرآن ، قرأ على أبي بكر بن مقسم بحرف حمزة ، وقرأ على ابن مجاهد بعض القرآن ، وتفقه على مذهب أبي حنيفة ، وقرأ من النحو واللغة والأخبار والأشعار ، وقال الشعر ، وتقلد القضاء بالأنبار ، وهيت ، من قبل أبيه ، ثم ولي من قبل الراضي بالله سنة سبع وعشرين القضاء بطريق خراسان ، ثم صرف وبقي إلى أن قلده أبو السائب عتبة بن عبد الله في سنة إحدى وأربعين ، وهو يومئذ يتولى قضاء القضاة بالأنبار ، وهيت ، وأضاف [له] إليهما بعد مدة الكوفة ، ثم أقره على ذلك أبو العباس بن أبي الشوارب لما ولي قضاء القضاة مدة ، ثم صرفه ، ثم لما ولي عمر بن أكثم قضاء القضاة قلده عسكر مكرم ، وإيذج مدة ، وحدث فروى عنه المحسن بن علي التنوخي ، وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة .

2645 - محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن الحسين بن مقسم ، أبو بكر العطار المقرئ .

ولد سنة خمس وستين ومائتين ، وسمع أبا مسلم الكجي ، وثعلبا وإدريس بن عبد الكريم [الحداد] وغيرهم ، روى عنه ابن رزقويه ، وابن شاذان ، وغيرهما ، وكان ثقة من أعرف الناس بالقراءات وأحفظهم لنحو الكوفيين ، وله في معاني القرآن كتاب سماه: "كتاب الأنوار" وما رأيت مثله ، وله تصانيف عدة ولم يكن له عيب إلا أنه قرأ بحروف تخالف الإجماع ، واستخرج لها وجوها من اللغة والمعنى ، مثل ما ذكر في [كتاب] "الاحتجاج" للقرافي [في] قوله تعالى: ( فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا فقال: لو قرئ خلصوا نجبا بالباء لكان جائزا ، وهذا مع كونه يخالف الإجماع بعيد [من] المعنى ، إذ لا وجه للنجابة عند يأسهم من أخيهم ، إنما اجتمعوا يتناجون ، وله من هذا الجنس من تصحيف الكلمة ، واستخراج وجه بعيد لها ، مع كونها لم يقرأ بها كثير ، وقد أنكر العلماء هذا عليه ، وارتفع الأمر إلى السلطان ، فأحضره واستتابه بحضرة الفقهاء والقراء فأذعن بالتوبة ، وكتب محضر بتوبته ، وأشهد عليه جماعة ممن حضر ، وقيل: إنه لم ينزع عن تلك الحروف ، وكان يقرئ بها إلى أن مات .

قال أبو طاهر عبد الواحد بن عمر بن أبي هاشم : وقد نبغ نابغ في عصرنا هذا فزعم أن كل ما صح عنده وجه في العربية لحروف من القرآن يوافق خط المصحف ، فقراءته جائزة في الصلاة ، فابتدع بقوله ذلك بدعة ضل بها عن قصد السبيل ، وأورط نفسه في مزلة عظمت بها جنايته على الإسلام وأهله ، وحاول إلحاق كتاب الله من الباطل ما لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه ، إذ جعل لأهل الإلحاد في دين الله بسيء رأيه طريقا إلى مغالطة أهل الحق بتخير القراءات من جهة البحث والاستخراج بالآراء دون التمسك بالأثر ، وقد كان أبو بكر شيخنا نشله من بدعته المضلة باستتابته منها ، وشهد عليه الحكام والشهود والمقبولين عند الحكام بترك ما أوقع نفسه فيه من الضلالة بعد أن سئل البرهان على صحة ما ذهب إليه ، فلم يأت بطائل ، ولم تكن حجته قوية ولا ضعيفة ، فاستوهب أبو بكر تأديبه من السلطان عند توبته ، ثم عاود في وقتنا هذا إلى ما كان ابتدعه واستغوى من أصاغر المسلمين ممن هو في الغفلة والغباوة ، ظنا منه أن ذلك يكون للناس دينا ، وأن يجعلوه فيما ابتدعه إماما .

عن أبي بكر أحمد بن محمد [المستملي] قال: سمعت [أبا] أحمد الفرضي غير مرة يقول: رأيت في المنام كأني في المسجد الجامع أصلي مع الناس ، وكأن ابن مقسم قد ولى ظهره القبلة ، وهو يصلي مستدبرها ، فأولت ذلك مخالفته الأئمة فيما اختاره من القراءات . توفي أبو بكر بن مقسم يوم الخميس لثمان خلون من ربيع الآخر من هذه السنة .

2646 - محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدويه بن موسى ، أبو بكر المعروف: بالشافعي .

ولد بجبل سنة ستين ومائتين وسكن بغداد ، وسمع محمد بن الجهم ، وأبا قلابة الرقاشي ، والباغندي ، وخلقا كثيرا ، وكان ثقة ثبتا ، كثير الحديث حسن التصنيف ، قد روى الحديث قديما فكتب عنه في زمان ابن صاعد ، روى عنه الدارقطني ، وابن شاهين ، وغيرهما من الأئمة ، وآخر من روى عنه أبو طالب بن غيلان حدثنا ابن الحصين ، عن ابن غيلان عنه .

عن أحمد بن علي بن ثابت قال: لما منعت الديلم ببغداد الناس أن يذكروا فضائل الصحابة ، وكتب سب السلف على المساجد كان الشافعي يتعمد في ذلك الوقت إملاء الفضائل في جامع المدينة وفي مسجده بباب الشام حسبة وقربة ، وحدثني الأزهري أنه سمع ابن رزقويه لما حدث يقول أدركتني دعوة أبي بكر الشافعي وذلك ، أنه دعا الله لي بأن أبقى حتى أحدث ، فاستجيب له في ، توفي أبو بكر الشافعي في ذي الحجة من هذه السنة .

2647 - مكي بن أحمد بن سعدويه ، أبو بكر البرذعي .

أحد الرحالة في طلب الحديث ، وسمع من ابن منيع ، وابن صاعد ، وغيرهما ، وتوفي في هذه السنة . [ الوفيات ]

وفيها توفي محمد بن حبان ( بن أحمد بن حبان ) أبو حاتم البستي ، صاحب التصانيف المشهورة ، وأبو بكر محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم المفسر النحوي المقرئ ، وكان عالما بنحو الكوفيين وله تفسير كبير حسن ، ومحمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدويه أبو بكر الشافعي في ذي الحجة ، وكان عالما بالحديث عالي الإسناد .

( حبان : بكسر الحاء والباء الموحدة ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية