ذكر
ظهور محمد بن هشام بقرطبة
وفي سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ظهر بقرطبة محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر لدين الله الأموي ، ومعه اثنا عشر رجلا ، فبايعه الناس . وكان ظهوره سلخ جمادى الآخرة ، وتلقب بالمهدي بالله ، وملك قرطبة ، وأخذ المؤيد فحبسه معه في القصر ، ثم أخرجه وأخفاه ، وأظهر أنه مات .
وكان قد مات إنسان نصراني يشبه المؤيد ، فأبرزه للناس في شعبان من هذه السنة ، وذكر لهم أنه المؤيد ، فلم يشكوا في موته ، وصلوا عليه ، ودفنوه في مقابر المسلمين ، ثم إنه أظهره ، على ما نذكره ، وأكذب نفسه ، فكانت مدة ولاية المؤيد هذه إلى أن حبس ثلاثا وثلاثين سنة وأربعة أشهر ، ونقم الناس على ابن عبد الجبار أشياء منها أنه كان يعمل النبيذ في قصره ، فسموه نباذا ، ومنها فعله بالمؤيد ، وأنه كان كذابا ، متلونا ، مبغضا للبربر ، فانقلب الناس عليه . ذكر
خروج هشام بن سليمان عليه لما استوحش أهل الأندلس من ابن عبد الجبار ، وأبغضوه ، قصدوا هشام بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر لدين الله ، فأخرجوه من داره ، وبايعوه ، فتلقب بالرشيد ، وذلك لأربع بقين من شوال سنة تسع وتسعين [ وثلاثمائة ] ، واجتمعوا بظاهر قرطبة ، وحصروا ابن عبد الجبار ، وترددت الرسل بينهم ليخلع ابن عبد الجبار من الملك على أن يؤمنه وأهله ( وجميع أصحابه ) .
ثم إن ابن عبد الجبار جمع أصحابه وخرج إليهم فقاتلهم ، فانهزم هشام وأصحابه ، وأخذ هشام أسيرا فقتله ابن عبد الجبار ، وقتل معه عدة من قواده ، استقر أمر ابن عبد الجبار ، وكان عم هشام . ذكر
خروج سليمان عليه أيضا
ولما قتل ابن عبد الجبار هشام بن سليمان بن ناصر وانهزم أصحابه ، انهزم معهم سليمان بن الحاكم بن سليمان بن ناصر ، وهو ابن أخي هشام المقتول ، فبايعه أصحاب عمه ، وأكثرهم البربر ، بعد الوقعة بيومين ، ولقبوه المستعين بالله ، ثم لقب بالظاهر بالله ، وساروا إلى النصارى فصالحوهم واستنجدوهم وأنجدوهم ، وساروا معهم إلى قرطبة ، فاقتتلوا هم وابن عبد الجبار بقنتيج ، وهي الوقعة المشهورة غزوا فيها وقتل ما لا يحصى ، فانهزم ابن عبد الجبار ، وتحصن بقصر قرطبة ، ودخل سليمان البلد ، وحصره في القصر .
فلما رأى ابن عبد الجبار ما نزل به أظهر المؤيد ظنا منه أنه ( يخلع هو وسليمان ويرجع الأمر إلى المؤيد ، فلم يوافقه أحد ظنا منهم أن ) المؤيد قد مات . فلما أعياه الأمر احتال في الهرب ، فهرب سرا واختفى ، ودخل سليمان القصر ، وبايعه الناس بالخلافة في شوال سنة أربعمائة ، وبقي بقرطبة أياما ، وكان عدة القتلى بقنتيج نحو خمسة وثلاثين ألفا ، وأغار البربر والروم على قرطبة فنهبوا وسبوا وأسروا عددا عظيما .