ذكر عدة حوادث

فيها ظهر بإفريقية في السماء حمرة بين المشرق والشمال ، مثل لهب النار فخرج الناس يدعون الله تعالى ، ويتضرعون إليه .

وكان بالمهدية زلازل وأهوال أقامت أربعين يوما ، حتى فارق أهلها منازلهم ، وأسلموا أمتعتهم .

وفيها سير العزيز بالله العلوي صاحب مصر وإفريقية أميرا على الموسم ليحج بالناس ، وكانت الخطبة له بمكة ، وكان الأمير على الموسم باديس بن زيري أخا يوسف بلكين ، خليفته بإفريقية ، فلما وصل إلى مكة أتاه اللصوص بها فقالوا له : نتقبل منك الموسم بخمسين ألف درهم ، ولا تتعرض لنا ، فقال لهم : أفعل ذلك ، اجمعوا إلي أصحابكم حتى يكون العقد مع جميعكم ، فاجتمعوا فكانوا نيفا وثلاثين رجلا ، فقال : هل بقي منكم أحد ؟ ( فحلفوا أنه لم يبق منهم أحد ) ، فقطع أيديهم كلهم .

وفيها خلع على القاضي عبد الجبار بن أحمد بالري ، وولي القضاء بها وبما تحت حكم مؤيد الدولة من البلاد ، وهو من أئمة المعتزلة ، ويرد في تراجم تصانيفه : قاضي القضاة ، ويعني به قاضي قضاة أعمال الري ، وبعض من لا يعلم ذلك يظنه قاضي القضاة مطلقا وليس كذلك . مسير عز الدولة إلى الجانب الغربي على جسر عقدة

وفي ربيع الآخر: عبر عز الدولة إلى الجانب الغربي على جسر عقدة ، ودخل إلى قطربل ، وتفرق عنه ديلمته ، ودخل أوائل أصحاب عضد الدولة ، ثم نزل عضد الدولة بالخيم في الشفيعي ، وخرج الطائع متلقيا له ، وضربت القباب المزينة ، ودخل البلد ، ثم خرج عضد الدولة ومعه الطائع ، ليقاتل عز الدولة بختيار ، فلما أراد الخروج دخل عليه أبو علي الفارسي ، فقال له: ما رأيك في صحبتنا ؟ فقال: أنا من رجال الدعاء لا اللقاء ، فخار الله للملك في عزيمته وأنجح قصده في نهضته ، وجعل العافية زاده والظفر تجاهه ، والملائكة أنصاره ، ثم إنه أنشأ يقول:


ودعته حيث لا تودعه نفس ولكنها تسير معه     ثم تولى وفي الفؤاد له
ضيق محل وفي الدموع سعه

فقال له عضد الدولة : بارك الله فيك ، فأنى أثق بطاعتك ، وأتيقن صفاء طويتك ، وقد أنشدنا بعض أشياخنا بفارس :


قالوا له إذ سار جانبه     فبدلوه البعد بالقرب
والله ما شطت نوى ظاعن     سار من العين إلى القلب

فدعا له أبو علي ، وقال: ائذن مولانا في نقل هذين البيتين ، فأذن له فاستملاهما منه ، فلما خرج للقتال التقوا فأخذ عز الدولة أسيرا ، وقتل ، ثم ركب بعد ذلك عضد الدولة إلى دار الطائع لله في يوم الأحد لتسع خلون من جمادى الأولى ، ومعه أصناف الجند ، والأشراف والقضاة والشهود والأماثل ، والوجوه ، فخلع عليه الخلع السلطانية ، وتوجه بتاج مرصع بالجوهر ، وطوقه وسوره وقلده سيفا وعقد له لوائين بيده أحدهما مفضفض على رسم الأمراء ، والآخر مذهب على رسم ولاة العهود ، ولم يعقد هذا اللواء الثاني لغيره قبله ، ممن يجري مجراه ، ولقبه: تاج الملة ، مضافا إلى عضد الدولة ،

وكتب له عهدا ، وقرئ العهد بحضرته ، ولم تجر العادة بذلك ، وإنما كانت العهود تدفع إلى الولاة بحضرة الخلفاء ، فإذا أخذه الرجل منهم قال له: هذا عهدي إليك ، فاعمل [ به ] وحمله على فرس بمركب ذهب ، وقاد بين يديه آخر بمركب مثله ، فخرج وجلس في الطيار إلى داره ، وجلس من الغد بالخلع والتاج على السرير للهناء ، وتقدم بإخراج عشرين ألف درهم في الصدقات ، ففرقت على سائر الملل ، وبعث إليه الطائع هدايا كثيرة طريفة ، فبعث هو خمسمائة جمل ، وحمل خمسين ألف ألف دينار ، وألف ألف درهم ، وخمسمائة ثوب أنواعا وثلاثين صينية فضة فيها العنبر والمسك والنوافح . ورود المدود العظيمة بسامراء وزيادة دجلة

وفي شهر رمضان: وردت المدود العظيمة بسامراء فقلعت سكر السهلية ، وتناهت زيادة دجلة حتى انتهت إلى إحدى وعشرين ذراعا ، وانفجر بالزاهر من الجانب الشرقي بثق غرق الدور والشوارع ، وانفجر بثق من الخندق غرق مقابر باب التبن ، وقطيعة أم جعفر ، وخرج سكان الدور الشارعة على دجلة منها ، وغار الماء من آبارها وبلاليعها ، وأنقم الناس نفوسهم خوفا من غرق البلد كله ، ثم نقص الماء . زلزلة بسيراف

وفي يوم الأحد سابع ذي القعدة كانت بسيراف زلزلة هدمت المنازل ، وأتت على ما فيها من الأموال ، وهلك بها أكثر من مائتي إنسان . وفاة القرمطي صاحب هجر

أنه ورد الخبر في صفر إلى الكوفة بوفاة أبي يعقوب يوسف بن الحسن الجنابي [ القرمطي ] صاحب هجر ، فأغلقت أسواق الكوفة ثلاثة أيام . وقعة بين العزيز وبين أفتكين

ومما وقع من الحوادث في هذه السنة الوقعة التي كانت بين العزيز بن المعز الفاطمي وبين أفتكين غلام معز الدولة صاحب دمشق فهزمه ، وأسره ، وأخذه معه إلى الديار المصرية مكرما معظما كما تقدم ، وتسلم العزيز دمشق وأعمالها.

التالي السابق


الخدمات العلمية