ثم دخلت سنة ثمان وستين وثلاثمائة

ذكر فتح ميافارقين وآمد وغيرهما من ديار بكر على يد عضد الدولة

لما عاد أبو الوفاء من طلب أبي تغلب نازل ميافارقين ، وكان الوالي عليها هزارمرد ، فضبط البلد ، وبالغ في قتال أبي الوفاء ثلاثة أشهر ، ثم مات هزارمرد ، فكوتب أبو تغلب بذلك ، فأمر أن يقام مقامه غلام من الحمدانية اسمه مؤنس ( فولي البلد ) ولم يكن لأبي الوفاء فيه حيلة ، فعدل عنه ، وأرسل رجلا من أعيان البلد اسمه أحمد بن عبيد الله ، واستماله فأجابه ، وشرع في استمالة الرعية إلى أبي الوفاء ، فأجابوه إلى ذلك ، وعظم أمره ، وأرسل إلى مؤنس يطلب له الأمان ، فأرسل أحمد بن عبيد الله إلى أبي الوفاء في ذلك فأمنه ، وأمن سائر أهل البلد ، ففتح له البلد وسلمه إليه .

وكان أبو الوفاء مدة مقامه على ميافارقين قد بث سراياه في تلك الحصون المجاورة لها ، فافتتحها جميعها ، فلما سمع أبو تغلب بذلك سار عن آمد نحو الرحبة ، هو وأخته جميلة ، وأمر بعض أهله بالاستئمان إلى أبي الوفاء ، ففعلوا ، ثم إن أبا الوفاء سار إلى آمد فحصرها ، فلما رأى أهلها ذلك سلكوا مسلك أهل ميافارقين ، فسلموا البلد بالأمان فاستولى أبو الوفاء على سائر ديار بكر ، وقصده أصحاب أبي تغلب وأهله مستأمنين إليه ، فأمنهم ، وأحسن إليهم ، وعاد إلى الموصل .

وأما أبو تغلب فإنه لما قصد الرحبة أنفذ رسولا إلى عضد الدولة يستعطفه ، ويسأله الصفح ، فأحسن جواب الرسل ، وبذل له إقطاعا يرضيه ، على أن يطأ بساطه ، فلم يجبه أبو تغلب إلى ذلك ، ( وسار إلى الشام ، إلى العزيز بالله صاحب مصر ) .

ذكر فتح ديار مضر على يد عضد الدولة

كان متولي ديار مضر لأبي تغلب بن حمدان سلامة البرقعيدي ، فأنفذ إليه سعد الدولة بن سيف الدولة من حلب جيشا ، فجرت بينهم حروب ، وكان سعد الدولة قد كاتب عضد الدولة ، وعرض نفسه عليه ، فأنفذ عضد الدولة النقيب أبا أحمد ، والد الرضي ، إلى البلاد التي بيد سلامة ، فتسلمها بعد حرب شديدة ، ودخل أهلها في الطاعة ، فأخذ عضد الدولة لنفسه الرقة حسب ، ورد باقيها إلى سعد الدولة فصارت له .

ثم استولى عضد الدولة على الرحبة ، وتفرغ بعد ذلك لفتح قلاعه وحصونه ، وهي قلعة كواشى ، وكان فيها خزائنه وأمواله ، وقلعة هرور والملاسي وبرقى والشعباني وغيرها من الحصون ، فلما استولى على جميع أعمال أبي تغلب استخلف أبا الوفاء على الموصل ، وعاد إلى بغداذ في سلخ ذي القعدة ، ولقيه الطائع لله ، وجمع من الجند وغيرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية