ذكر
ولاية قسام دمشق لما فارق الفتكين دمشق كما ذكرناه ، تقدم على أهلها قسام ، وكان سبب تقدم قسام أن الفتكين قربه ووثق إليه ، وعول في كثير من أموره عليه ، فعلا ذكره وصيته ، وكثر أتباعه من الأحداث ، فاستولى على البلد وحكم فيه .
وكان القائد أبو محمود قد عاد إلى البلد عليه واليا عليه للعزيز ، فلم يتم له مع قسام أمر ، وكان لا حكم له ، ولم يزل أمر قسام على دمشق نافذا ، وهو يدعو للعزيز بالله العلوي . ووصل إليه أبو تغلب بن حمدان ، صاحب الموصل ، منهزما كما ذكرناه ، فمنعه قسام من دخول دمشق ، وخافه على البلد أن يتولاه ، إما غلبة ، وإما بأمر العزيز ، فاستوحش ( أبو تغلب ) وجرى بين أصحابه وأصحاب أبي تغلب شيء من قتال ، فرحل أبو تغلب إلى طبرية .
وورد من عند العزيز قائد اسمه الفضل في جيش ، فحصر قساما بدمشق ، فلم يظفر به ، فعاد عنه ، وبقي قسام كذلك إلى سنة تسع وستين وثلاثمائة ، فسير من مصر أميرا إلى دمشق اسمه سلمان بن جعفر بن فلاح ، فوصل إليها ، فنزل بظاهرها ، ولم يتمكن من دخولها ، وأقام في غير شيء ، فنهى الناس عن حمل السلاح ، فلم يسمعوا منه ، ووضع قسام أصحابه على سلمان ، فقاتلوه وأخرجوه من الموضع الذي كان فيه .
وكان قسام بالجامع ، والناس عنده ، فكتب محضرا وسيره إلى العزيز يذكر أنه كان بالجامع عند هذه الفتنة ، ولم يشهدها ، وبذل من نفسه أنه إن قصده عضد الدولة بن بويه أو عسكر له قاتله ، ( ومنعه من البلد ، فأغضى العزيز لقسام على هذه الحال لأنه يخاف أن يقصد عضد الدولة الشام ، فلما فارق سلمان دمشق عاد إليها القائد أبو محمود ، ولا حكم له ، والحكم جميعه لقسام ) ، ( فدام ذلك ) .
وأما
قسام - وهو الحارثي ، وأصله من بني الحارث بن كعب من اليمن - فأقام بالشام يسد خللها ، ويقوم بمصالحها مدة سنين عديدة ، وكان مجلسه بالجامع ، ويجتمع الناس عنده فيأمرهم وينهاهم ، ويقوم فيمتثلون ما يرسم به .
قال ابن عساكر : أصله من قرية تلفيتا وكان ترابا .
قلت : والعامة يقولون : اسمه قسيم الزبال ، وإنما هو قسام ، ولم يكن زبالا بل ترابا من قرية تلفيتا بالقرب من قرية منين ، وكان بدو أمره أنه انتمى إلى رجل من أحداث دمشق يقال له : أحمد بن الجسطار ، فكان من حزبه ، ثم استحوذ على الأمور ، وغلب على الولاة والأمراء ، وصارت إليه أزمة الأحكام ، إلى أن قدم بلكين التركي من مصر في يوم الخميس السابع عشر من المحرم سنة ست وسبعين وثلاثمائة ، فأخذها منه ودخلها ، واختفى قسام التراب مدة ، ثم ظهر ، فأخذه أسيرا وأرسله مقيدا إلى الديار المصرية ، فأطلق وأحسن إليه وأقام بها أيضا مكرما ، والله أعلم .