رسائل من العزيز بالله صاحب مصر في هذه السنة ورد رسول العزيز بالله صاحب مصر إلى عضد الدولة برسائل أداها . القبض على محمد بن عمر العلوي

وفيها قبض عضد الدولة على محمد بن عمر العلوي وأنفذه إلى فارس ، وكان سبب قبضه ما تكلم به المطهر في حقه عند موته ، وأرسل إلى الكوفة فقبض أمواله ، فوجد له من المال والسلاح والذخائر ما لا يحصى ، واصطنع عضد الدولة أخاه أبا الفتح أحمد ، وولاه الحج بالناس . زواج الطائع من ابنة عضد الدولة

فيها تجددت وصلة بين الطائع لله وبين عضد الدولة ، فتزوج الطائع ابنته ، وكان غرض عضد الدولة أن تلد ابنته ولدا ذكرا فيجعله ولي عهده ، فتكون الخلافة في ( ولد لهم فيه نسب ) ، وكان الصداق مائة ألف دينار . فتنة بين عامة شيراز المسلمين والمجوس

وفيها كانت فتنة عظيمة بين عامة شيراز من المسلمين وبين المجوس ، نهبت فيها دور المجوس ، وضربوا ، وقتل منهم جماعة ، فسمع عضد الدولة الخبر ، فسير إليهم من جمع كل من له أثر في ذلك ، وضربهم ، وبالغ في تأديبهم وزجرهم . إرسال سرية إلى عين التمر

وفيها أرسل سرية إلى عين التمر ، وبها ضبة بن محمد الأسدي ، وكان يسلك سبيل اللصوص وقطاع الطريق ، فلم يشعر إلا والعساكر معه ، فترك أهله وماله ونجا بنفسه فريدا ، وأخذ ماله وأهله ، وملكت عين التمر ، وكان قبل ذلك قد نهب مشهد الحسين ، صلوات الله عليه ، فعوقب بهذا . القبض على الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي

وفيها:

[ قبض على الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي ]

أنه قبض على الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي في صفر ، وقلد [ أبو الحسن ] علي بن أحمد بن إسحاق العلوي نقابة الطالبيين ببغداد وواسط ، وأبو الفتح أحمد بن عمر بن يحيى نقابتهم بالكوفة ، وأبو الحسن أحمد بن القاسم المحمدي نقابتهم بالبصرة والأهواز ، وكان قد استذنب أبو أحمد بما ليس بذنب ، فأري خطا مزورا على خطه بإفشاء الأسرار ، وقيل له: إن عز الدولة أعطاك عقدا في فداء غلامه فكتمتناه! فقال: أما الخط فليس بخطي ، وأما العقد فإنه قال: إن لم يقبل ما دفعت فادفع هذا فلم يجز لي أن أخونه .

القبض على أبي معروف ابن معروف قاضي القضاة

وفي يوم الاثنين لأربع بقين من صفر: قبض [ عضد الدولة ] على أبي محمد ابن معروف قاضي القضاة ، وأنفذه إلى القلعة بفارس ، وقلد أبو سعد بشر بن الحسين ما كان إليه من قضاء القضاة ، واحتج على ابن معروف بالتقصير في حق عضد الدولة ، وبأنه ينفسح فيما لا ينبغي للقضاة مثله ، فأجاب عن ذلك فلم يلتفت إليه . سؤال عضد الدولة الطائع زيادة في لقبه تاج الملة

وسأل عضد الدولة الطائع في مورده الثاني إلى الحضرة أن يزيد في لقبه تاج الملة ، ويجدد الخلع عليه ، ويلبسه التاج والحلي المرصع بالجوهر ، فأجابه إلى ذلك وجلس الطائع على سرير الخلافة في صدر صحن السلام ، وحوله من خدمه الخواص نحو مائة بالمناطق والسيوف والزينة ، وبين يديه مصحف عثمان ، وعلى كتفيه البردة ، وبيده القضيب ، وهو متقلد سيف النبي صلى الله عليه وسلم ، وضرب ستارة بعثها عضد الدولة ، وسأل أن يكون حجابا للطائع حتى لا يقع عليه عين أحد من الجند قبله .

ودخل الأتراك والديلم ، ولم يكن مع أحد منهم حديد ، ووقف الأشراف وأصحاب المراتب من الجانبين ، فلما وصل عضد الدولة أوذن به الطائع ؛ فأذن له ، فدخل ، فأمر برفع الستارة ، فقيل لعضد الدولة : قد وقع طرفه عليك ، فقبل الأرض ولم يقبلها أحد ممن معه تسليما للرقبة في تقبيل الأرض إليه؛ فارتاع زياد من بين القواد لما شاهد ، وقال بالفارسية: ما هذا أيها الملك ؟ ! أهذا هو الله عز وجل ؟ فالتفت إلى أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف ، وقال له: فهمه وقل له: هذا خليفة الله في الأرض ، ثم استمر يمشي ويقبل الأرض تسع مرات .

والتفت الطائع إلى خالص الخادم ، وقال له: استدنه . فصعد عضد الدولة وقبل الأرض ، دفعتين . فقال له الطائع : ادن إلي ، ادن إلي . فدنا ، وأكب ، وقبل رجله ، وثنى الطائع يمينه عليه ، وكان بين يديه سريره مما يلي الجانب الأيمن للكرسي ، ولم يجلس ، فقال له ثانيا: اجلس . فأومأ ، ولم يجلس ، فقال له: أقسمت عليك لتجلسن ، فقبل الكرسي ، وجلس ، فقال له الطائع : ما كان أشوقنا إليك وأتوقنا إلى مفاوضتك! فقال: عذري معلوم . فقال: نيتك موثوق بها ، وعقيدتك مسكون إليها . وأومأ برأسه .

ثم قال له الطائع : قد رأيت أن أفوض إليك ما وكل الله تعالى إلي من أمور الرعية في شرق الأرض وغربها ، وتدبيرها في جميع جهاتها سوى خاصتي وأسبابي ، وما وراء بابي ، فتول ذلك مستخيرا بالله تعالى . فقال له عضد الدولة : يعينني الله عز وجل على طاعة مولانا وخدمته ، وأريد المطهر وعبد العزيز ووجوه القواد الذين دخلوا معي أن يسمعوا لفظ أمير المؤمنين . فأذنوا ، وقال الطائع : هاتوا الحسين بن موسى ، ومحمد بن عمرو بن معروف ، وابن أم شيبان ، والزينبي ، فقدموا؛ فأعاد الطائع لله القول بالتفويض إليه ، والتعويل عليه .

ثم التفت إلى طريف الخادم ، فقال: يا طريف ، يفاض عليه الخلع ، ويتوج . فنهض عضد الدولة إلى الرواق ، فألبس الخلع ، فخرج فأومأ ليقبل الأرض ، فلم يطق ، فقال له الطائع : [ حسبك ] حسبك . وأمره بالجلوس على الكرسي ، ثم استدعى الطائع تقديم ألويته ، فقدم لواءان ، واستخار الطائع لله عز وجل وصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم وعقدهما ، ثم قال: يقرأ كتابه . فقرأ ، فقال له الطائع : خار الله لنا ولك وللمسلمين ، آمرك بما أمرك الله به ، وأنهاك عما نهاك الله عنه ، وأبرأ إلى الله مما سوى ذلك ، انهض على اسم الله . وأخذ الطائع سيفا كان بين المخدتين اللتين تليانه ، فقلده إياه مضافا إلى السيف الذي قلده مع الخلعة .

ولما أراد عضد الدولة أن ينصرف قال [ للطائع ] : إني أتطير أن أعود على عقبي فأسأل أن يؤمر بفتح هذا الباب لي . فأذن في ذلك ، وشاهد في الحال نحو ثلاثمائة صانع قد أعدهم عضد الدولة حتى هيئ للفرس مسقال ، وركب [ وسار ] الجيش مشاة إلى أن خرج من باب الخاصة ، ثم ركب القواد والجيش ، وسار في البلد . ثم بعث الطائع إليه بعد ثلاثة أيام هدية فيها غلالة قصب ، وصينية ذهب ، وخرداذي بلور ، وفيه شراب ناقص كأنه قد شرب بعضه ، وعلى فم الخرداذي خرقة حرير مشدودة مختومة ، وكأس بلور من هذا الفن ، فوافى أبو نصر [ الخازن ] ومعه من الأموال نحو ما ذكرنا في دخوله الأول في السنة الماضية ، ولما عاد عضد الدولة جلس للتهنئة ، فقال أبو إسحاق الصابي : على البديهة:


يا عضد الدولة الذي علقت يداه من فخره بأعرقه     لبست للملك تاج ملته
فصل عرى غربة بمشرقه     أحرزت منك الجديد في عمر
أطاله الله غير مخلقه     يلوح منك الجبين بحاشية
لحاظنا في ضياء رونقه     كأنه الشمس في إنارتها
ويشبه البدر في تألقه     لما رأيت الرجال تنشده
من كل فحل القريض مغلقه     ألجأت نفسي إليك رؤيتها
لتطلب المدح طول منطقه     قال له خاطري بطمع أن
تساجل البحر في تدفقه     خفف وأوجز فقلت مختصرا
للقول في جده وأصدقه     يفتخر النعل تحت أخمصه
فكيف بالتاج فوق مفرقه

المسير إلى أكابر الذعار ضبة الأسدي

وفي شهر رمضان: بعث إلى ضبة بن محمد الأسدي ، وكان من أكابر الذعار ، وقد قتل النفوس ، ونهب الأموال ، وقد تحصن بعين التمر ، نيفا وثلاثين سنة ، والوصول إليها يصعب ، فلما طل عليه العسكر هرب وترك أهله وخاصته ، فأسر أكثرهم وملك البلد .

التالي السابق


الخدمات العلمية