ذكر
استيلاء طاهر بن خلف على كرمان وعوده عنها
في هذه السنة سار طاهر بن خلف بن أحمد ، صاحب سجستان ، إلى كرمان طالبا ملكها .
وكان سبب مسيره إليها أنه كان قد خرج عن طاعة أبيه ، وجرى بينهما حروب كان الظفر فيها لأبيه ، ففارق سجستان وسار إلى كرمان ، وبها عسكر بهاء الدولة ، وهي له على ما ذكرناه ، فاجتمع من بها من العسكر إلى المقدم عليهم ( ومتولي أمر البلاد ، هو أبو موسى سياهجيل ) ، فقالوا له : إن هذا الرجل قد وصل ، وهو ضعيف ، والرأي أن تبادره قبل أن يقوى أمره ويكثر جمعه . فلم يفعل واستهان به ، فكثر جمع طاهر ، وصعد إلى الجبال ، وبها قوم من العصاة على السلطان ، فاحتمى بهم وقوي ، فنزل إلى جيرفت فملكها وملك غيرها ، وقوي طمعه في الباقي .
فقصده أبو موسى والديلم ، فهزمهم ، وأخذ بعض ما بقي بأيديهم ، فكاتبوا بهاء الدولة ، فسير إليهم جيشا عليهم أبو جعفر بن أستاذ هرمز ، فسار إلى كرمان ، وقصد بم ، وبها طاهر ، فجرى بين طلائع العسكرين حرب ، وعاد طاهر إلى سجستان ، وفارق كرمان ، فلما بلغ سجستان أطلق المأسورين ، ودعاهم إلى قتال أبيه معه ، وحلف لهم أنهم إذا نصروه وقاتلوا معه أطلقهم ، ففعلوا ذلك ، وقاتل أباه ، فهزمه وملك طاهر البلاد ودخل أبوه إلى حصن له منيع فاحتمى به .
وأحب الناس طاهرا لحسن سيرته ، وسوء سيرة والده ، وأطلق طاهر الديلم ، ثم إن أباه راسل أصحابه ليفسدهم عليه ، فلم يفعلوا فعدل إلى مخادعته ، وراسله يظهر له الندم على ما كان منه ، ويستميله بأنه ليس له ولد غيره ، وأنه يخاف أن يموت فيملك بلاده غير ولده . ثم استدعاه إليه جريدة ليجتمع به ويعرفه أحواله ، فتواعدا تحت قلعة خلف ، فأتاه ابنه جريدة ، ونزل هو إليه كذلك ، وكان قد كمن بالقرب منه كمينا ، فلما لقيه اعتنقه ، وبكى خلف ، وصاح في بكائه ، فخرج الكمين وأسروا طاهرا ، فقتله أبوه بيده ، وغسله ودفنه ، ولم يكن له ولد غيره .
فلما قتل طمع الناس في خلف ، لأنهم كانوا يخافون ابنه لشهامته ، وقصده حينئذ محمود بن سبكتكين ، فملك بلاده على ما نذكره ، وأما العتبي فذكر في سبب فتحها غير هذا ، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى .