ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

بكر بن شاذان بن بكر ، أبو القاسم المقرئ الواعظ

ولد سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ، وسمع جعفرا الخلدي ، وأبا بكر الشافعي ، وقرأ القرآن على جماعة ، روى عنه الأزهري ، والخلال ، وكان ثقة أمينا صالحا .

قال الحسن بن غالب المقرئ أن بكر بن شاذان وأبا الفضل التميمي جرى بينهما كلام ، فبدر من أبي الفضل كلمة ثقلت على بكر وانصرفا ، ثم ندم التميمي فقصد أبا بكر بن يوسف ، فقال له : قد كلمت بكرا بشيء جفا عليه وندمت على ذلك ، وأريد أن تجمع بيني وبينه ، فقال له ابن يوسف : سوف يخرج لصلاة العصر ، فخرج بكر وجاء إلى ابن يوسف والتميمي عنده ، فقال له التميمي : أسألك أن تجعلني في حل ، فقال : سبحان الله ما فارقتك حتى أحللتك ، وانصرف فقال التميمي : قال لي والدي : يا عبد الواحد احذر أن تخاصم من إذا نمت كان منتبها ؟ قال ابن غالب وانصرف التميمي . وكان لبكر ورد من الليل لا يخل به .

توفي في شوال هذه السنة ، وله نيف وثمانون سنة ، ولم تفته جمعة قط غير الجمعة التي مات في غدها ، لأنه مات في غداة يوم السبت ، ودفن في مقبرة أحمد . بدر بن حسنويه بن الحسين ، أبو النجم الكردي

من أهل الجبل رتبه عضد الدولة أبو شجاع بعد موت حسنويه ، فكانت له الولاية على الجبل وهمذان والدينور وبروجرد ونهاوند وأسداباذ وغير ذلك ، وقامت هيبته بالشجاعة والسياسة والعدل وكثرة الصدقة وكناه القادر أبا النجم ، ولقبه ناصر الدولة ، وعقد له لواء وأنفذه إليه ، وكانت أعماله آمنة ، فإذا وقف حمل في البرية تركه صاحبه ومضى فجاء بما يحمله عليه ، ولما عاث قومه في البلاد عمل لهم دعوة ، وقدم فيها أنواع الطبائخ ، ولم يقدم خبزا فجلسوا ينتظرون الخبز ، كلوا ، قالوا ، أين الخبز ؟ قال فإذا كنتم تعلمون أنه لا بد لكم منه فلم أفسدتم الحرث ، لئن يعترض أحدكم بصاحب زرع لأقابلنه بسفك دمه .

واجتاز يوما برجل محتطب وقد حمل الحطب على ظهره وهو يبكي ، فقال له :

ما لك ؟ قال : إني ما استطعمت البارحة طعاما ، وكان معي رغيفان أريد أن أتغذى بهما وأبيع الحطب ، وأتقوت بثمنه أنا وعيالي ، فاجتازني أحد الفرسان فأخذ الرغيفين ، فقال : هل تعرفه ؟ قال : بوجهه ، فجاء به إلى مضيق فوقف معه حتى اجتاز العسكر فمر صاحبه فقال : هذا ، فأمر بدر أن ينزل عن فرسه وألزمه حمل الحطب على ظهره في البلد وبيعه وتسليم ثمنه إلى صاحبه جزاء لما فعل ، فرام الرجل أن يفتدي نفسه بمال حتى بلغ بوزن الحطب دراهم ، فلم يقبل منه حتى فعل ما أمره به ، فقامت الهيبة في النفوس ولم يقدم بعدها أحد من أصحابه على شيء ، وكانت جراياته وصدقاته متصلة على الفقهاء والأشراف والقضاة والشهود والأيتام والضعفاء ، وكان يصرف كل سنة ألف دينار إلى عشرين رجلا يحجون عن والدته ، وعن عضد الدولة لأنه كان السبب في ملكه ، وكان يتصدق في كل جمعة بعشرة آلاف درهم على الضعفاء والأرامل ويصرف [في ] كل سنة ثلاثة آلاف دينار إلى الأساكفة والحذائين بين همذان وبغداد ليقيموا للمنقطعين من الحاج الأحذية ، وكان يصرف إلى تكفين الموتى كل شهر عشرين ألف درهم ، ويعمر القناطر ، واستحدث في أعماله ثلاثة آلاف مسجد وخان للغرباء ، ولم يمر بماء جار إلا بنى عنده قرية ، وكان ينفذ كل سنة في الصدقات على أهل الحرمين وخفر الطريق ومصالحها مائة ألف دينار ، وكان ينفق على عمارة المصانع وتنقية الآبار ، وجمع العلوفة في الطريق ، وكان يعطي سكان المنازل رسوما لقيامها ويحمل إلى الحرمين والكوفة وبغداد ما يفرق على الأشراف والفقهاء والقراء والفقراء وأهل البيوتات ، فلما توفي انقطع ذلك وأثر في أحوال أهله ووقف أمر الحج ، وكان يكثر من الصلاة والتسبيح ولا يقطع بره عن أحد لذنب ، فإن مات أعاد ذلك على ولده ، وكان يرتفع إلى خزانته في كل سنة بعد المؤن [والصدقات ] عشرون ألف درهم لأنه كان يعمر الأماكن [ويعدل ] وكان له من الدواب المرتبطة ألف وسبعمائة ، وفي الجشير عشرون ألف رأس ، وكان بدر قد حاصر حسن بن مسعود الكردي فضجر أصحابه من طول الحصار فجاءه رجل كردي ، فقال له : إنهم قد عزموا على قتلك ، فقال : من هؤلاء الكلاب حتى يقدموا على ذلك ؟ فعاوده فقال : لا أريد نصحك ، فهجموا عليه فقتلوه ونهبوا معسكره .

توفي في هذه السنة ، وكانت مدة إمارته اثنتين وثلاثين سنة ، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام فدفن به ، ووجد في قلعته أربعة عشر ألف بدرة عينا ، وأربعين ألف بدرة ورقا . الحسن بن الحسين بن حمكان ، أبو علي الهمذاني

أحد فقهاء الشافعية ، نزل بغداد بقرب دار القطن في نهر طابق ، وحدث عن الخلدي والنقاش وغيرهما من البغداديين والبصريين ، وكان في شبيبته قد عني بالحديث ، وقال : كتبت بالبصرة عن أربعمائة ونيف وسبعين شيخا ، ثم طلب الفقه بعد ، فدرس على أبي حامد المروروذي . روى عنه الأزهري ، وقال : كان ضعيفا ليس بشيء في الحديث .

توفي في جمادى الأولى من هذه السنة ودفن في منزله . [الحسن بن عثمان بن بكران بن جابر ، أبو محمد العطار :



ولد في سنة ثلاثين وثلاثمائة . سمع إسماعيل الصفار ، وأبا عمرو بن السماك ، والنجاد ، والنقاش . روى عنه الخلال ، والبرقاني ، والصيمري . وكان ثقة صالحا دينا .

توفي في شعبان هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب ] . عبد الله بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم ، أبو محمد الأسدي المعروف بابن الأكفاني :

ولد سنة ست عشرة وثلاثمائة ، وحدث عن القاضي المحاملي ، ومحمد بن مخلد ، وابن عقدة وغيرهم روى عنه البرقاني ، والتنوخي .

قال أبو إسحاق الطبري : من قال إن أحدا أنفق على العلم مائة ألف دينار غير أبي محمد ابن الأكفاني ، فقد كذب ، وقال لي التنوخي : ولي ابن الأكفاني قضاء مدينة المنصور ، ثم ولي قضاء باب الطاق ، وضم إليه سوق الثلاثاء ، ثم جمع له قضاء جميع بغداد في سنة ست وتسعين وثلاثمائة .

توفي أبو محمد الأكفاني في صفر هذه السنة عن خمس وثمانين سنة ، ولي منها القضاء أربعين سنة نيابة ورياسة ، ودفن في داره بنهر البزازين . عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس ، أبو سعد الحافظ الإستراباذي

ويعرف بالإدريسي ، كان أبوه من إستراباذ ، وسكن هو سمرقند ، وكان أحد من رحل في طلب العلم وعني بالحديث ، وسمع من الأصم ، وصنف تاريخ سمرقند وعرضه على الدارقطني ، فقال : هذا كتاب حسن ، وحدث ببغداد فسمع منه الأزهري ، والتنوخي ، وكان ثقة . وتوفي في هذه السنة . عبد السلام بن الحسين بن محمد بن أحمد البصري اللغوي

ولد سنة تسع وعشرين وثلاثمائة . سمع من جماعة وحدث ببغداد ، وكان صدوقا عالما أديبا وقارئا للقرآن عارفا بالقراءات ، وكان يتولى النظر ببغداد في دار الكتب ، وكان سمحا جوادا ، وربما جاءه السائل وليس معه شيء يعطيه فيدفع إليه بعض كتبه التي لها قيمة كثيرة .

وتوفي في محرم هذه السنة ، ودفن بالشونيزية عند قبر أبي علي الفارسي . عبد الغفار بن عبد الرحمن ، أبو بكر الدينوري الفقيه :

كان آخر من أفتى على مذهب سفيان الثوري ببغداد في جامع المنصور ، وكان إليه النظر في الجامع والقيام بأمره .

توفي في شوال هذه السنة ، ودفن في المقبرة خلف الجامع . عبد العزيز بن عمر بن محمد بن نباتة ، أبو نصر السعدي الشاعر :

له شعر موصوف .

قال أبو نصر بن نباتة لنفسه :


وإذا عجزت عن العدو فداره وامزح له إن المزاح وفاق     فالنار بالماء الذي هو ضده
تعطي النضاج وطبعها الإحراق

توفي أبو نصر في شوال هذه السنة . محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم ، أبو عبد الله الحاكم الضبي يعرف بابن البيع :

من أهل نيسابور ولد في سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ، وأول سماعه في سنة ثلاثين ، وكان من أهل الفضل والعلم والحفظ للحديث ، وله في علوم الحديث مصنفات قدم بغداد وحدث عن أبي عمرو بن السماك ، والنجاد ، ودعلج وغيرهم ثم عاد فوردها وقد علت سنه فحدث بها عن أبي العباس الأصم وغيره .

روى عنه الدارقطني ، وابن أبي الفوارس ، وغيرهما ، وكان ثقة .

وكان ابن البيع يميل إلى التشيع .

وجمع الحاكم أبو عبد الله أحاديث زعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم يلزمهما إخراجها في صحيحهما ، منها : "حديث الطائر" ، "ومن كنت مولاه فعلي مولاه" ، فأنكر عليه أصحاب الحديث ولم يلتفتوا فيه إلى قوله ولا صوبوه في فعله .

قال أبو عبد الله الحاكم : حديث الطائر لم يخرج في الصحيح وهو صحيح . قال ابن طاهر :

حديث موضوع إنما جاء من سقاط أهل الكوفة عن المشاهير والمجاهيل عن أنس وغيره ، قال ابن طاهر : فلا يخلو الحاكم من أمرين : إما أنه يجهل الصحيح فلا يعتمد على ما يقوله ، وإما يعلمه ثم يقول خلافه فيكون معاندا كذابا .

وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال : دخلت على الحاكم أبي عبد الله وهو في داره لا يمكنه الخروج إلى المسجد من جهة أصحاب أبي عبد الله بن كرام ، وذلك أنهم كسروا منبره ومنعوه من الخروج ، فقلت له : لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل يعني معاوية لاسترحت من هذه المحنة ، فقال : لا يجيء من قلبي ، لا يجيء من قلبي ، لا يجيء من قلبي .

توفي الحاكم بنيسابور في صفر هذه السنة . هبة الله بن عيسى :

كاتب مهذب الدولة علي بن نصر البطائحي كان وزيره ومدبر أمره وكان من أشد الكتاب ومترسليهم وكان يفضل على الأدباء والعلماء ومن شعره .


أضنن بليلى وهي غير سخية     تبخل ليلى بالهوى وأجود
وأعذل في ليلى ولست بمنته     وأعلم أني مخطئ وأعود

وقد ذكرنا خدمته للقادر وملاطفته له حين أقام عندهم بالبطيحة ، وتحديث القادر له بالمنام الذي رآه ، توفي في ربيع الأول من هذه السنة . يوسف بن محمد بن كج ، أبو القاسم :

كان من شيوخ الشافعيين ، وكانت له نعمة عظيمة ، وولي القضاء بالدينور وأعمال بدر بن حسنويه ، فلما تغيرت البلاد بهلاك بدر بن حسنويه قتله قوم من العيارين ليلة سبع وعشرين من رمضان هذه السنة . أبو الحسن أحمد بن علي البتي

وفي هذه السنة ، في شعبان ، توفي أبو الحسن أحمد بن علي البتي ، الكاتب الشاعر ، ومن شعره في تكة :


لم لا أتيه ومضجعي بين الروادف والخصور     وإذا نسجت ، فإنني بين الترائب والنحور
ولقد نشأت صغيرة بأكف ربات الخدور



وله نوادر كثيرة منها أنه شرب فقاعا في دار فخر الملك ، فلم يستطبه ، فجلس مفكرا ، فقال له الفقاعي : في أي شيء تفكر ؟ فقال : في دقة صنعتك ، كيف ( أمكنك الخراء ) في هذه الكيزان الضيقة كلها ؟ .

أبو القاسم يوسف بن أحمد بن كج الفقيه

وفي رمضان منها قتل القاضي أبو القاسم يوسف بن أحمد بن كج الفقيه ، وكان من أئمة أصحاب الشافعي ، وكان قاضي الدينور ، قتله طائفة من عامتها خوفا منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية