وفاة مهذب الدولة وحال البطيحة بعده

علي بن نصر ، أبو الحسن الملقب مهذب الدولة صاحب البطائح :

كان له كرم ووفاء ، وكان الناس يلتجئون إليه في الشدائد وأكبر فخره نزول القادر عليه وخدمته إياه إلى أن جاءته الخلافة .

قال الوزير أبو شجاع : توجت الأيام مفرق فخاره بمقام القادر بالله في جواره ، وصاغت له المنقبة حسبا وصارت له إلى استحقاق المدح سببا . كان يرتفع له من إقطاعه تسعة آلاف وستمائة كر من الحنطة ، وثلاثة عشر ألفا وثلاثمائة وسبعون كرا من الشعير ، وثمانية آلاف كر من الأرز ، ومن الورق ألفا ألف وسبعمائة ألف وخمسون ألفا .

وكان بعض بلاده تضمن بعشرة آلاف دينار ، تزوج بنت الملك بهاء الدولة أبي نصر وأعانه نوائبه وأقرضه أموالا كثيرة ، وولى البطائح اثنتين وثلاثين سنة وشهورا . وكان سبب موته أنه افتصد ، فانتفخ ساعده ، ومرض منه ، واشتد مرضه فلما كان قبل وفاته بثلاثة أيام تحدث الجند بإقامة ولده أبي الحسين أحمد مقامه ، فبلغ ابن أخت مهذب الدولة ، وهو أبو محمد عبد الله بن يني ، فاستدعى الديلم والأتراك ، ورغبهم ووعدهم ، واستحلفهم لنفسه ، وقرر معهم القبض على أبي الحسين بن مهذب الدولة وتسليمه إليه ، فمضوا إليه ليلا وقالوا له : أنت ولد الأمير ، ووارث الأمر من بعده ، فلو قمت معنا إلى دار الإمارة ليظهر أمرك وتجتمع الكلمة عليك لكان حسنا .

فخرج من داره معهم ، فلما فارقها قبضوا عليه وحملوه إلى أبي محمد ، فسمعت والدته ، فدخلت إلى مهذب الدولة قبل موته بيوم ، فأعلمته الخبر ، فقال : أي شيء أقدر أعمل وأنا على هذه الحال ؟ وتوفي في الغد ، وولي الأمر أبو محمد ، وتسلم الأموال والبلد ، وأمر بضرب أبي الحسين بن مهذب الدولة ، فضرب ضربا شديدا توفي منه بعد ثلاثة أيام من موت أبيه .

وبقي أبو محمد أميرا إلى منتصف شعبان ، وتوفي بالذبحة ، وكان قد قال قبل موته : رأيت مهذب الدولة في المنام وقد مسك حلقي ليخنقني ، ويقول : قتلت ابني أحمد ، وقابلت نعمتي عليك بذاك . فمات بعد أيام ، فكان ملكه أقل من ثلاثة أشهر .

فلما توفي اتفق الجماعة على تأمير أبي عبد الله الحسين بن بكر الشرابي ، وكان من خواص مهذب الدولة فصار أمير البطيحة ، وبذل للملك سلطان الدولة بذولا ، فأقره عليها ، وبقي إلى سنة عشر وأربعمائة ، فسير إليه سلطان الدولة صدقة بن فارس المازياري ، فملك البطيحة ، وأسر أبا عبد الله الشرابي ، فبقي عنده أسيرا إلى أن توفي صدقة وخلص .

التالي السابق


الخدمات العلمية