ذكر عدة حوادث
( وفي هذه السنة
سير الظاهر جيشا من مصر ، مقدمهم أنوشتكين البريدي ، فقتل صالح بن مرداس ، وملك نصر بن صالح مدينة حلب . وفيها سقط في البلاد برد عظيم ، وكان أكثره بالعراق ، وارتفعت بعده ريح شديدة سوداء ، فقلعت كثيرا من الأشجار بالعراق ، فقلعت شجرا كبارا من الزيتون من شرقي النهروان وألقته على بعد من غربيها ، وقلعت نخلة من أصلها وحملتها إلى دار بينها وبين موضع هذه الشجرة ثلاث دور ، وقلعت سقف مسجد الجامع ببعض القرى . وفيها ، في ذي القعدة تولى أبو عبد الله بن ماكولا قضاء القضاة . وفيها انقض كوكب عظيم ، في رجب ، أضاءت منه الأرض ، وسمع له صوت عظيم كالرعد ، وتقطع أربع قطع ، وانقض بعده بليلتين كوكب آخر دونه ، وانقض بعدهما كوكب أكبر منهما وأكثر ضوءا . وفيها كانت ببغداذ فتنة قوي فيها أمر العيارين واللصوص ، فكانوا يأخذون العملات ظاهرا . فيها قطعت الجمعة من جامع براثا ، وسببها أنه كان يخطب فيها إنسان يقول في خطبته : بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، مكلم الجمجمة ، ومحييها البشري الإلهي ، مكلم الفتية أصحاب الكهف ، إلى غير ذلك ( من الغلو ) ، المبتدع ، فأقام الخليفة خطيبا ، فرجمه العامة ، فانقطعت الصلاة فيه فاجتمع جماعة من أعيان الكرخ مع المرتضى ، واعتذروا إلى الخليفة بأن سفهاء لا يعرفون فعلوا ذلك ، وسألوا إعادة الخطبة ، فأجيبوا إلى ما طلبوا ، وأعيدت الصلاة والخطبة فيه . ومن الحوادث فيها :
[انحدار ذي البراعتين إلى البصرة واليا عليها ]
أنه انحدر ذو البراعتين أحمد بن محمد الواسطي إلى البصرة واليا عليها في محرم هذه السنة . وورد الخبر لسبع خلون من ربيع الآخر : بأن
مطرا ورد بنواحي النعمانية ومعه برد كبار ، في بردة أرطال ، وذكر أنه
ورد بنواحي دير العاقول مطر معه برد وزن الواحدة منها خمسة دراهم وأقل ، وارتفعت بعده
ريح سوداء فقلعت كثيرا من أصول الزيتون العاتية العتيقة ، وعبرت بها من شرقي النهروان إلى غربيه وطرحتها على بعد ، وقلعت الريح نخلة من أصلها ثم حملت جذعها إلى دار بينها وبينها ثلاث دور ، وقلعت الريح سقف مسجد الجامع ببعض القرى ، وشوهد من البرد ما يكون في الواحدة ما بين الرطل إلى الرطلين ، ووجدت بردة عظيمة الحجم يزيد وزنها على مائة رطل ، فحزرت بمائة وخمسين رطلا ، وكانت كالثور النائم ، وقد نزلت في الأرض نحوا من ذراع . وفي يوم الاثنين ثامن عشر منه غار ماء دجلة حتى لم يبق منه إلا القليل ، ووقفت الأرحاء ، وتعذر الطحن . وفي هذا اليوم جمع القضاة والعلماء في دار الخلافة ، وقرئ عليهم كتاب جمعه أمير المؤمنين القادر بالله فيه مواعظ وتفاصيل مذاهب أهل السنة ، والرد على أهل البدع من المعتزلة وغيرهم .
وفي العشرين من رمضان جمعوا أيضا ، وقرئ عليهم كتاب آخر جمعه الخليفة أيضا فيه أخبار ومواعظ ، والرد على أهل البدع ، وتفسيق من قال بخلق القرآن ، وصفة ما وقع بين بشر المريسي وعبد العزيز بن أحمد الكتاني من المناظرة ، ثم ختم القول بالوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأخذ خطوط الحاضرين بالموافقة لما سمعوه .
وفي يوم الاثنين غرة ذي القعدة جمعوا أيضا كلهم ، وقرئ عليهم كتاب آخر طويل يتضمن بيان السنة ، والرد على أهل البدع ، ومناظرة بشر المريسي والكتاني ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وفضل الصحابة ، وذكر فضائل أبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، ولم يفرغوا منه إلا بعد العتمة ، وأخذت خطوطهم بموافقة ما سمعوه ، وعزل خطباء الشيعة ، وولي خطباء غيرهم من أهل السنة .
وجرت فتنة عظيمة بمسجد براثا ، وضربوا الخطيب السني بالآجر حتى كسروا أنفه وخلعوا كتفه ، فانتصر له الخليفة وأهان الشيعة وأذلهم ، حتى جاءوا يعتذرون مما صنعوا ، وأنه ما تعاطاه إلا سفهاؤهم وسقطهم .
ولم يتمكن أحد من أهل العراق وخراسان في هذه السنة من الحج ، والله تعالى أعلم .