وفي يوم الأحد الثامن عشر [من] هذا الشهر: جلس الخليفة القادر بالله وأذن للخاصة والعامة فدخلوا عليه وشاهدوه ، وذلك عقب شكاة عرضت له ، ووقع الإرجاف معها به ، وأظهر في هذا اليوم تقليد الأمير أبي جعفر عبد الله ولده ولاية عهده ، وكانت الأقوال قبل هذا قد كثرت في معنى الأمير أبي جعفر وتوليته العهد ، وتوقف الخليفة عن ذلك ، ثم ابتدئت الحال بأن ذكر على المنابر [بالحضرة] في ذي الحجة من السنة الماضية في عرض الدعاء للخلفية ، وقيل: اللهم أمتعه بذخيرة الدين المرجو لولاية عهده في المسلمين إشارة إليه من غير إفصاح باسمه ولا نص عليه ، فلما جلس في هذا اليوم تقدم الصاحب أبو الغنائم محمد بن أحمد وقوم من الأتراك ، وقال أبو الغنائم في أثناء ضجة ، وازدحام: خدم مولانا أمير المؤمنين الغلمان داعون له بإطالة البقاء وإدامة الدولة وشاكرون لما بلغهم من نظره لهم وللمسلمين باختيار الأمير أبي جعفر لولاية العهد ، فقال الخليفة: من هذا المتكلم ولم يفهم قوله ، فقيل الناظر في أمور الأتراك ، فقال للأمير أبي جعفر : اسمع ما يقوله: فأعاد الصاحب القول ، فقال الخليفة: إذا كان الله قد أذن في ذلك فقد أذنا فيه ، فقال [الأمير] أبو جعفر : مولانا يقول: إذا كان الله قد أذن في ذلك فنرجو الخيرة فيه فقال [الخليفة] وزحف من مخاده حتى أشرف على الناس من أعلى سريره بصوت عال: وقد أذنا فيه ، فقال نظام الحضرتين أبو الحسن الزينبي: قد سمع قول مولانا أمير المؤمنين وحفظ والله يقرن ذلك بالخيرة والسعادة ، ومدت الستارة في وجهه ، وجلس الأمير أبو جعفر على السرير الذي كان قائما عليه بين يديه وخدمه الحاضرون بالدعاء والتهنئة ، وتقدم أبو الحسن ابن حاجب النعمان فقبل يده وهناه ودعا له ، فقال له:
ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا ، وكفى الله المؤمنين القتال اتهاما له فساد رأي الخليفة فيه ، فبكى وأكب على تقبيل قدمه وتعفير خده ولحيته بين يديه ، قال قولا كثيرا في التبري والاستغفار والاستعطاف ، فلما كان يوم الجمعة لسبع بقين من الشهر ذكر في الخطبة على منابر الحضرة بالقائم بأمر الله ولي عهد المسلمين ، وأثبت ذلك على سكة العين والورق .