وفي ربيع الآخر نقل أبو القاسم بن ماكولا الوزير بعد أن قبض عليه وسلم إلى المرتضى إلى دار المملكة فمرض ويئس منه ، فروسل الخليفة في معنى أخيه قاضي القضاة أبي عبد الله بن ماكولا ، وقيل: هو يعرف أمواله فدافع عنه الخليفة وحامى وكادت الحال من الأتراك تشرف على أحد حالين: إما تسليمه ، وإما خرق لا يتلافى فكتب إلى الخليفة في حقه ، فحرج في الجواب أنه لم يبق من أمرنا إلا هذا الناموس في حراسة من عندنا وهو لكم لا لنا ، وهذا القاضي لم يتصرف تصرفا سلطانيا يلزمه فيه تبعة ، ثم زاد الأمر في ذلك ورجع الخليفة ، فكتب إلى حاجب الحجاب رقعة قيل فيها قد زاد الأمر في إطراح مراقبتنا وإسقاط حشمتنا ، وصار الأولى أن نغلق بابنا وندبر أمرنا بما نحرس به جاهنا ، فأمسك عن المراجعة ثم إن الجند شغبوا على جلال الدولة ، وقالوا: إن البلد لا يحتملنا وإياك فاخرج من بيننا فإنه أولى لك ، فقال: كيف يمكنني الخروج على هذه الصورة أمهلوني ثلاثة أيام حتى آخذ حرمي وولدي وأمضي فقالوا لا نفعل ورموه بآجرة في صدره فتلقاها بيده وأخرى في كتفه فاستجاش الملك الحواشي والعوام ، وكان المرتضى والزينبي والماوردي عند الملك فاستشارهم في العبور إلى الكرخ كما فعل في المرة الأولى ، فقالوا: أليس الأمر كما كان وأحداث الموضع قد ذهبوا وحول الغلمان خيمهم إلى ما حول الدار إحاطة بها ، وبات الناس على أصعب خطة ، فخرج الملك نصف الليل إلى زقاق غامض ، فنزل إلى دجلة فقعد في سميرية فيها بعض حواشيه فغرقوها تقديرا أنه فيها ، ومضى الملك مستترا إلى دار المرتضى وبعث حرمه إلى دار الخليفة ونهب الجند دار المملكة وأبوابها وساجها ، ورتبوا فيها حفظة فكانت الحفظة تخربها نهارا وتنقل ما اجتمع من ذلك ليلا ، وراسل الجند الخليفة في قطع خطبة جلال الدولة فقيل لهم: سننظر ، ثم خرج الملك إلى أوانا ، ثم إلى كرخ سامرا ، ثم خرجوا إليه واعتذروا ، وصلحت الحال .

التالي السابق


الخدمات العلمية