عشية يوم الثلاثاء سلخ رمضان: خرج الناس لترائي هلال شوال فلم يروه ، وصلى الناس التراويح على عادتهم ونووا صوم غدهم ، فلما كان بكرة يوم الأربعاء جاء الشريف أبو الحسين بن المهتدي المعروف بالغريق الخطيب ، وقد لبس سواده وسيفه ومنطقته ، ووراءه المكبرون لابسين السواد على هيئته إلى جامع دار الخلافة فرآه مغلقا ، ففتحه ودخل وقال: اليوم يوم العيد ، وقد رئي الهلال البارحة بباب البصرة ، ورام الصلاة فيه ، وجمع الناس به ، وعرف رئيس الرؤساء الخبر فغاظه ذلك ، وأحفظه أن لم يحضر الديوان العزيز ويطالعه بما كان وما تجدد في رؤية الهلال ، فراسله واستحضره فامتنع وقال: حتى أصلي وأعيد ، ثم نكفي إلى الديوان ، فروجع وأحضر وأنكر عليه إقدامه على فتح الجامع وهو مغلق ، وقد علم أنه لا خبر للناس من هذا الأمر محقق ، وقال له: قد كان يحبب أن تحضر الديوان العزيز ، وتنهي الحال ليحيط به العلم الشريف ، ويتقدم فيما يوجبه ويقتضيه . وأغلظ له فيما خاطبه فاعتذر ، وقال: ما فعلت مما فعلته إلا ثقة بنفسي ، وبعد أن وضحت الصورة عندي ، وكان قد حضرني البارحة ثمانية أنفس من جيراني أثق بقولهم فشهدوا عندي جميعا بمشاهدة الهلال ، فقطعت بذلك وحكمت وأفطرت وأفطر الناس في باب البصرة ، وخرجوا اليوم قاصدين جامع المدينة ، ولم أعلم أن هذا لم يشع ، فحضرت وأنكرت كون الجامع مغلقا ، ثم جاء قوم فشهدوا برؤية الهلال .
فقال رئيس الرؤساء لقاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني: ما عندك في هذا؟
فقال: أما مذهب أبي حنيفة الذي هو مذهبي فلا يقبل مع صحو السماء ، وجواز ما يمنع من مشاهدة الهلال إلا قول العدد الكثير الذي يبلغ مائتين ، وأما مذهب الشافعي رضي الله عنه [الذي] هو مذهب [هذا] الشريف فإنه يقطع بشهادة اثنين في مثل هذا .
وطولع الخليفة بالحال ، فأمر بالنداء أن لا يفطر أحد ، فأمسك من كان أكل ، وكان والد القاضي أبي الحسين قد مضى إلى جامع القطيعة فصلى بالناس وعيد ، وكذلك في جامع الحربية ولم يعلموا بما جرى .
التالي
السابق