واجتمع في يوم الخميس رابع عشر المحرم خلق كثير من الحربية ، والنصرية ، وشارع دار الرقيق ، وباب البصرة ، والقلائين ، ونهر طابق بعد أن أغلقوا دكاكينهم ، وقصدوا دار الخلافة وبين أيديهم الدعاة والقراء وهم يلعنون أهل الكرخ ، واجتمعوا وازدحموا على باب الغربة ، وتكلموا من غير تحفظ في القول ، فراسلهم الخليفة ببعض الخدم أننا قد أنكرنا ما أنكرتم ، وتقدمنا بأن لا يقع معاودة ، ونحن نغفل في هذا ما لا يقع به المراد . فانصرفوا وقبض على ابن الفاخر العلوي في آخرين ، ووكل بهم في الديوان ، وهرب صاحب الشرطة؛ لأنه كان أجاز لأهل الكرخ ما فعلوا ، وركب أصحاب السلطان فأرهبوا العامة ، وقد كانوا على التعرض بأهل الكرخ وإيقاع الفتنة ، ثم واصل أهل الكرخ التردد إلى الديوان ، والتنصل مما كان ، والاحتجاج بصاحب الشرطة ، وأنه أمرهم بذلك ، والسؤال في معنى المعتقلين ، فأفرج عنهم في ثامن عشر المحرم بعد أن خرج توقيع بلعن من يسب الصحابة ، ويظهر البدع . قال ابن الجوزي : في ربيع الأول ولد بباب الأزج صبية لها رأسان ووجهان ورقبتان وأربع أيدي على بدن كامل ثم ماتت . وفي هذا الشهر:
مرض الأمير عدة الدين [أبو القاسم] ، وتعدى ذلك إلى الخليفة جده ، ولحق الناس من الانزعاج والارتياع أمر عظيم؛ لأنه لم يكن بقي من يلتجأ إليه غير هذا الجناب ، فتفضل الله تعالى بعافيتهما ، فاجتمع العوام إلى باب الغربة داعين وشاكرين الله تعالى على نعمه .
ووردت كتب التجار من بعد بأن ستة وعشرين مركبا خطفت من سواحل البحر طالبة لعمان ، فغرقت في الليلة الأخيرة من طلوع هذا الكوكب ، وهلك فيها نحو من ثمانية عشر ألف إنسان وجميع المتاع الذي حوته ، وكان من جملته عشرة آلاف طبلة كافور . وفي يوم الأحد تاسع جمادى [الآخرة]: خلع على فخر الدولة أبي نصر بن جهير بعد أن شافهه بما طاب قلبه ورفع من مرتبته . وفي شعبان:
وقع قتال في دمشق فضربوا دارا كان مجاورا للجامع بالنار ، فاحترق جامع دمشق . وفي شعبان: ذكر رجل من أهل سوق يحيى يقال له: أخو جمادى ، وكانت يده اليسرى قد خبثت وأشرف على قطعها أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه كأنه يصلي في مسجد بدرب داود ، فدنا منه وأراه يده ، وسأله العافية ، فأمر يده عليها فأصبح معافى ، وانثال الناس لمشاهدته ، وكان يغمس يده في الماء فيقتسمونه ، وستأتي قصته مستوفاة في السنة التي مات فيها إن شاء الله تعالى . ورخصت الأسعار في هذه السنة رخصا متفاحشا حتى صار الكر الجيد من الحنطة بعشرة دنانير . وفي ليلة الأحد لأربع بقين من شعبان:
انقض كوكبان كان لأحدهما ضوء كضوء القمر ، وتبعهما في نحو ساعة بضعة عشر كوكبا صغارا إلى [نحو] المغرب . وفي رمضان:
نقص الماء من دجلة فاستوعبه القاطول ، وتعلق نهر الدجيل عليه ، فهلكت الثمار ، وزادت الأسعار ، وامتنعت السفن من عكبرا وأوانا من الانحدار ، فكان أقوام يعبرون إلى أوانا بمداساتهم على الآجر ، وغارت المياه في الآبار ببغداد . وفي هذا الشهر: كسي جامع المنصور ، وفرش بالبواري ، فدخل فيه أربع وعشرون ألف ذراع بواري ، وثلاثمائة منا خيوطا ، وأخذ الصناع الخياطين لها أجرتهم عشرين دينارا . وفي شوال:
أنفذ خادم خاص إلى السلطان للتهنئة بسلامته في غزوته ، وإقامة تشريفات عليه ، وأضيف إلى الخادم أبو محمد التميمي ، ورسم لهما الخطاب فيما يستعمله النظام مع حواشي الدار من التعرض لما في أيديهم ، والخطاب على التقدم إلى السيدة أرسلان خاتون بالمسير إلى دار الخلافة ، فقد طالت غيبتها ، وأخرج الوزير أبو نصر حاجبا له مع الجماعة بقود وتحف .