قال ابن الجوزي : فمن الحوادث فيها : أنه كان على ثلاث ساعات في يوم الثلاثاء الحادي عشر من جمادى الأولى وهو الثامن عشر من آذار كانت زلزلة عظيمة بالرملة وأعمالها فذهب أكثرها وانهدم سورها ، وعم ذلك بيت المقدس وتنيس وانخسفت أيلة وانجفل البحر حتى انكشفت أرضه ومشى ناس فيه ثم عاد ، وتغيرت إحدى زوايا جامع مصر ، وتبعت هذه الزلزلة في ساعتها زلزلتان أخريان . وفي هذه السنة كان غلاء شديد وقحط عظيم بديار مصر ، بحيث أنهم أكلوا الجيف والميتات والكلاب ، فكان يباع الكلب بخمسة دنانير ، وماتت الفيلة فأكلت ، وأفنيت الدواب فلم يبق لصاحب مصر سوى ثلاثة أفراس ; بعد العدد الكثير منها ، ونزل الوزير يوما عن بغلته فغفل الغلام عنها لضعفه من الجوع ، فأخذها ثلاثة نفر فذبحوها وأكلوها ، فأخذوا فصلبوا فأصبحوا ، فإذا عظامهم بادية ; قد أكل الناس لحومهم . وظهر على رجل يقتل الصبيان والنساء ويدفن رءوسهم وأطرافهم ويبيع لحومهم فقتل . وكانت الأعراب يقدمون بالطعام يبيعونه في ظاهر البلد ، لا يتجاسرون يدخلون ; لئلا يخطف وينهب منهم ، وكان لا يجسر أحد أن يدفن ميته نهارا ، وإنما يدفنه ليلا خفية ; لئلا ينبش فيؤكل . واحتاج صاحب مصر حتى باع أشياء من نفائس ما عنده ; من ذلك أحد عشر ألف درع وعشرون ألف سيف محلى ، وثمانون ألف قطعة بلور كبار ، وخمسة وسبعون ألف قطعة من الديباج القديم ، وبيعت ثياب النساء والرجال وسجف المهود بأرخص الأثمان ، وكذلك الأملاك وغيرها ، وقد كان بعض هذه النفائس الخليفية مما نهب من بغداد في أيام البساسيري . وفي يوم الاثنين السادس والعشرين من جمادى الآخرة: جمع [الأمير] العميد أبو نصر الوجوه فأحضر أبا القاسم بن الوزير فخر الدولة ، والنقيبين ، والأشراف ، وقاضي القضاة ، والشهود إلى المدرسة [النظامية] وقرئت كتب وقفتها ، ووقف كتب فيها ، ووقف ضياع وأملاك ، وسوق أبنيت عليها ، وعلى [بابها عليه وعلى] أولاد نظام الملك على شروط شرطت فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية