ذكر عدة حوادث .

في سنة سبعين وأربعمائة ولد مؤيد الملك بن نظام الملك إلى بغداذ من العسكر .

وفيها اصطلح تميم بن المعز بن باديس ، صاحب إفريقية . مع الناصر بن علناس ، وهو من بني حماد عم جده ، وزوجه تميم ابنته بلارة ، وسيرها إليه من المهدية في عسكر ، وأصحبها من الحلي والجهاز ما لا يحد وحمل الناصر ثلاثين ألف دينار ، فأخذ منها تميم دينارا واحدا ورد الباقي .

وفيها استعمل تميم ابنه مقلدا على مدينة طرابلس الغرب .

وكان ببغداذ ، في هذه السنة فتنة بين أهل سوق المدرسة وسوق الثلاثاء بسبب الاعتقاد ، فنهب بعضهم بعضا ، وكان مؤيد الملك بن نظام الملك ببغداد بالدار التي عند المدرسة ، فأرسل إلى العميد والشحنة فحضرا ومعهما الجند فضربوا الناس ، فقتل بينهم جماعة وانفصلوا . قال ابن الجوزي في ربيع الأول وقعت صاعقة بمحلة التوثة من الجانب الغربي على نخلتين في مسجد فأحرقت أعاليهما ، وصعد الناس فأطفئوا النار ونزلوا بالسعف وهو يشتعل نارا . قال : وفي تاسع عشر شوال ولد للخليفة المقتدي ولده المستظهر بالله أبو العباس أحمد ، وزين البلد وجلس الوزير للهناء ، ثم في يوم الأحد السادس والعشرين من شوال ولد له ولد آخر وهو أبو محمد هارون .

قال ابن الجوزي : وفيها ولي تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان الشام وحاصر حلب .

وحج بالناس في هذه السنة مقطع الكوفة ختلغ ، وفي رمضان: حمل إلى مكة مع أصحاب محمد بن أبي هاشم العلوي أمير مكة منبر كبير ، جميعه منقوش مذهب ، تولى الوزير فخر الدولة أبو نصر بن جهير عمله في داره بباب العامة ، وكان مكتوبا عليه: "لا إله إلا الله محمد رسول الله ، الإمام المقتدي بأمر الله أمير المؤمنين" مما أمر بعمله محمد بن محمد بن جهير ، فاتفق وصوله إلى مكة وقد أعيدت الخطبة المصرية ، وقطعت العباسية ، فآل أمره إلى أن كسر وأحرق . وورد كتاب من النظام إلى أبي إسحاق الشيرازي في جواب بعض كتبه الصادرة إليه في معنى الحنابلة ، وفيه: ورد كتابك بشرح أطلت فيه الخطاب ، وليس توجب سياسة السلطان وقضية المعدلة إلى أن نميل في المذاهب إلى جهة دون جهة ، ونحن بتأييد السنن أولى من تشييد الفتن ، ولم نتقدم ببناء هذه المدرسة إلا لصيانة أهل العلم والمصلحة ، لا للاختلاف وتفريق الكلمة ، ومتى جرت الأمور على خلاف ما أردناه من هذه الأسباب فليس إلا التقدم بسد الباب ، وليس في المكنة إلا بيان على بغداد ونواحيها ، ونقلهم عن ما جرت عليه عاداتهم فيها ، فإن الغالب هناك وهو مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمة الله عليه ، ومحله معروف بين الأئمة ، وقدره معلوم في السنة ، وكان ما انتهى إلينا أن السبب في تجديد ما تجدد مسألة سئل عنها أبو نصر القشيري عن الأصول ، فأجاب عنها بخلاف ما عرفوه في معتقداتهم ، والشيخ الإمام أبو إسحاق وفقه الله رجل سليم الصدر ، سلس الانقياد ، ويصغي إلى كل من ينقل إليه ، وعندنا من تصادر كتبه ما يدل على ما وصفناه من سهو له يجتذبه والسلام .

فتداول هذا الكلام بين الحنابلة وسروا به ، وقووا معه ، فلما كان يوم الثلاثاء ثاني شوال وهو يوم يسمى بفرح ساعة خرج من المدرسة متفقه يعرف بالإسكندراني ، ومعه بعض من يؤثر الفتنة إلى سوق الثلاثاء ، فتكلم بتكفير الحنابلة ، فرمى بآجرة ، فدخل إلى سوق المدرسة واستغاث بأهلها ، فخرجوا معه إلى سوق الثلاثاء ، ونهبوا بعض ما كان فيه ، ووقع الشر ، وغلب أهل سوق الثلاثاء بالعوام ، ودخلوا سوق المدرسة فنهبوا القطعة التي تليهم منه ، وقتلوا مريضا وجدوه في غرفة ، وخاف مؤيد الملك على داره فأرسل إلى العميد أبي نصر يعلمه الحال ، فأنفذ إليه الديلم والخراسانية فدفعوا العوام ، وقتلوا بالنشاب بضعة عشر ، وأنفذ من الديوان خدم لإطفاء الثائرة ، ولحمل المقتولين إلى الديوان حتى شهدهم القضاة والشهود ، وكتبوا خطوطهم بذلك ، وكان نساؤهم على باب النوبي يلطمن ، وكتب بذلك إلى النظام فجاءت مكاتبات [منه] بالجميل ، ثم ثناها بضد ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية