استيلاء الفرنج على مدينة طليطلة .
في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة استولى الفرنج ، لعنهم الله ، على مدينة طليطلة من بلاد الأندلس ، وأخذوها من المسلمين ، وهي من أكبر البلاد وأحصنها .
وسبب ذلك أن الأذفونش ، ملك الفرنج بالأندلس ، كان قد قوي شأنه ، وعظم ملكه وكثرت عساكره ، مذ تفرقت بلاد الأندلس ، وصار كل بلد بيد ملك ، فصاروا مثل ملوك الطوائف ، فحينئذ طمع الفرنج فيهم ، وأخذوا كثيرا من ثغورهم .
وكان قد خدم قبل ذلك صاحبها القادر بالله بن المأمون بن يحيى بن ذي النون ، وعرف من أين يؤتى البلد ، وكيف الطريق إلى ملكه .
فلما كان الآن جمع الأذفونش عساكره وسار إلى مدينة طليطلة فحصرها سبع سنين ، وأخذها من القادر ، فازداد قوة إلى قوته .
وكان المعتمد على الله أبو عبد الله محمد بن عباد أعظم ملوك الأندلس من المسلمين ، وكان يملك أكثر البلاد مثل قرطبة وإشبيلية ، وكان يؤدي إلى الأذفونش ضريبة كل سنة . فلما ملك الأذفونش طليطلة أرسل إليه المعتمد الضريبة على عادته ، فردها عليه ولم يقبلها منه ، فأرسل إليه يتهدده ويتوعده أنه يسير إلى مدينة قرطبة ويتملكها إلا أن يسلم إليه جميع الحصون التي في الجبل ، ويبقي السهل للمسلمين ، وكان الرسول في جمع كثير كانوا خمسمائة فارس ، فأنزله محمد بن عباد ، وفرق أصحابه على قواد عسكره ، ثم أمر كل من عنده منهم رجل أن يقتله ، وأحضر الرسول وصفعه حتى خرجت عيناه ، وسلم من الجماعة ثلاثة نفر ، فعادوا إلى الأذفونش فأخبروه الخبر وكان متوجها إلى قرطبة ليحاصرها ، فلما بلغه الخبر عاد إلى طليطلة ليجمع آلات الحصار ، ورحل المعتمد إلى إشبيلية .