من توفي في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة من الأكابر أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن أبي أيوب ، أبو بكر الفوركي
أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن أبي أيوب ، [أبو بكر] الفوركي ، وهو سبط أبي بكر بن فورك :
نزل بغداد واستوطنها وكان متكلما مناظرا واعظا ، وكان ختن أبي القاسم القشيري على ابنته ، وكان يعظ في النظامية فوقعت بسببه الفتنة في المذاهب ، وكان مؤثرا للدنيا ، طالبا للجاه ، لا يتحاشى من لبس الحرير ، وقد سمع من أصحاب الأصم ، وقيل لأبي منصور بن جهير: نحضره لنسمع منه؟ فقال: الحديث أصلف من الحال التي هو عليها .
فاستحسن الناس ذلك منه .
وقال شيخنا أبو الفضل بن ناصر: كان داعية إلى البدعة يأخذ كسر الفحم من الحدادين ويأكل منه .
وتوفي في شعبان هذه السنة عن نيف وستين سنة ، ودفن عند قبر الأشعري بمشرعة الروايا من الجانب الغربي .
الحسين بن علي ، أبو عبد الله المردوسي
الحسين بن علي ، أبو عبد الله المردوسي :
كان رئيس زمانه ، وكان قد خدم في زمن بني بويه ، وبقي إلى زمان المقتدي ، وارتفع أمره حتى كانت ملوك الأطراف تكتب إليه عبده وخادمه ، وكان كامل المروءة ، لا يسعى إلا في مكرمة ، وكان كثير البر والصدقة ، والصوم والتهجد ، وحفر لنفسه قبرا وأعد كفنا قبل وفاته بخمسين سنة ، وتوفي عن خمس وتسعين ودفن بمقبرة باب التبن .
حمزة بن علي بن محمد بن عثمان ، أبو الغنائم ابن السواق البندار
حمزة بن علي بن محمد بن عثمان ، أبو الغنائم ابن السواق البندار :
ولد سنة اثنتين وأربعمائة ، وسمع من أبي الحسين بن بشران وغيره ، وكان ثقة صدوقا من أثبت المحدثين ، حدثنا عنه أشياخنا ، وتوفي في شعبان هذه السنة .
عبد الله بن محمد ، أبو الحسن البستي
عبد الله بن محمد ، أبو الحسن البستي :
قاضي الحريم الشريف ، ولد سنة أربع وتسعين وثلاثمائة ، وتوفي في هذه السنة .
عبد الرحمن بن مأمون بن علي ، أبو سعد المتولي
عبد الرحمن بن مأمون بن علي ، أبو سعد المتولي :
ولد سنة ست وعشرين وأربعمائة ، وسمع الحديث ، وقرأ الفقه على جماعة ، ودرس بالنظامية ببغداد بعد أبي إسحاق ، ودرس الأصول مدة ، ثم قال: الفروع أسلم ، وكان فصيحا فاضلا ، وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشر شوال من هذه السنة ، وصلى عليه أبو بكر الشامي ، ودفن بمقبرة باب أبرز .
عبد الملك بن عبد الله بن يوسف ، أبو المعالي الجويني ، الملقب: إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف ، أبو المعالي الجويني ، الملقب: إمام الحرمين لمجاورته بمكة أربع سنين من أهل نيسابور ، و "جوين" قرية من قرى نيسابور ، ولد سنة سبع عشرة وأربعمائة ، وتفقه في صباه على والده وله دون العشرين سنة ، فأقعده مكانه للتدريس [فأقام التدريس] ، وسمع الحديث الكثير في البلاد ، وفي بغداد من أبي محمد الجوهري ، وروى عنه شيخنا زاهر بن طاهر الشحامي ، وخرج إلى الحجاز فأقام بمكة أربع سنين ، وعاد إلى نيسابور فجلس للتدريس ثلاثين سنة ، وقد سلم إليه التدريس والمحراب والمنبر والخطابة ومجلس التذكير يوم الجمعة ، وكان يحضر درسه كل يوم نحو ثلاثمائة ، وتخرج به جماعة من الأكابر ، حتى درسوا في حياته ، وصرف أكثر عنايته في آخر عمره إلى تصنيف الكتاب الذي سماه: "نهاية المطلب في دراية المذهب" وكان الشيخ أبو إسحاق يقول له: أنت إمام الأئمة . وكان الجويني قد بالغ في الكلام ، وصنف الكتب الكثيرة فيه ، ثم رأى أن مذهب السلف أولى ، فروى عنه أبو جعفر الحافظ أنه قال: ركبت البحر الأعظم ، وغصت في الذي نهى عنه أهل الإسلام كل ذلك في طلب الحق ، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد ، والآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق ، عليكم بدين العجائز ، فإن لم يدركني الحق بلطف بره وإلا فالويل لابن الجويني .
وأنبأنا أبو زرعة ، عن أبيه محمد بن طاهر المقدسي قال: سمعت أبا الحسن القيرواني وكان يختلف إلى درس أبي المعالي الجويني يقرأ عليه الكلام يقول: سمعت أبا المعالي اليوم يقول: يا أصحابنا ، لا تشتغلوا بالكلام ، فلو علمت أن الكلام يبلغ إلى ما بلغ ما اشتغلت به .
قال المصنف رحمه الله: وشاع عن أبي المعالي أنه كان يقول إن الله يعلم جمل الأشياء ولا يعلم التفاصيل ، فوا عجبا! أترى التفاصيل يقع عليها اسم شيء أو لا؟ فإن وقع عليها اسم شيء فقد قال الله
وهو بكل شيء عليم وكنا بكل شيء عالمين .
ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل قال: قدم أبو المعالي الجويني بغداد أول ما دخل الغز ، وتكلم في أبي إسحاق ، وأبي نصر بن الصباغ ، وسمعت كلامه قال: وذكر الجويني في بعض كتبه ما خالف به إجماع الأمة ، فقال: إن الله تعالى يعلم المعلومات من طريق الجملة لا من طريق التفصيل . قال: وذكر لي الحاكي عنه وهو من الفضلاء: من مذهبه أنه ذكر على ذلك شبهات سماها حججا برهانية . قال ابن عقيل:
فقلت له: يا هذا ، تخالف نص الكتاب ، قال الله تعالى:
وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وقال:
يعلم ما في أنفسكم ويعلم ما في الأرحام و
يعلم السر وأخفى وهو بكل شيء عليم ثم انتقل إلى بيان علم ما لم يكن أن لو كان كيف كان يكون فقال
ولو ردوا لعادوا وهذا من جهة السمع ، فأما من جهة العقل فإنه خلق جميع الأشياء الكليات والجزئيات ، وهذا غاية الدليل على الإحاطة بتفاصيل أحوالها ، ومعلوم أن دقائق حكمته المدفونة في النحل وهو ذباب من سمع وبصر [وتهد] إلى دقائق الإتقان في عمل البيوت والادخار للأقوات ما يبطل هذا ، ولو صح ما قال كانت الجزئيات في حيز الإهمال ، ومن نفى عن نفسه الجهل وأثبت لها العلم كيف يقال فيه هذا . وقد عجبت من تهجمه بمثل هذا ، وهذه المقالة غاية الضلالة ، هذا كله كلام ابن عقيل .
وحكى هبة الله بن المبارك السقطي قال: قال لي محمد بن الخليل البوشنجي: حدثني محمد بن علي الهريري وكان تلميذ أبي المعالي الجويني قال: دخلت عليه في مرضه الذي مات فيه وأسنانه تتناثر من فيه ويسقط منه الدود لا يستطاع شم فيه ، فقال: هذا عقوبة تعرضي بالكلام فاحذره .
مرض الجويني أياما ، وكان مرضه غلبة الحرارة وحمل إلى بشتنقان لاعتدال الهواء فزاد ضعفه ، وتوفي ليلة الأربعاء بعد العشاء الخامس والعشرين من ربيع الآخر من هذه السنة عن تسع وخمسين سنة ، ونقل في ليلته إلى البلد ، ودفن في داره ، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين فدفن إلى جانب والده ، وكان أصحابه المقتبسون من علمه نحو أربعمائة يطوفون في البلد وينوحون عليه .
قال ابن خلكان كانت أمه جارية اشتراها والده من كسب يده من النسخ وأمرها ألا يرضعه غيرها فاتفق أن امرأة دخلت عليها فأرضعته مرة فأخذه الشيخ أبو محمد فنكسه ووضع يده على بطنه ووضع أصبعه في حلقه ولم يزل به حتى استقاء كل ما كان في بطنه من لبن تلك المرأة ، قال : فربما حصل لإمام الحرمين في بعض مجالس المناظرة فتور فيقول : هذا من آثار تلك الرضعة.
ومن تصانيفه " الشامل " في أصول الدين و " البرهان " في أصول الفقه و " تلخيص التقريب " و " الإرشاد " و " العقيدة النظامية " و " غياث الأمم " و " غياث الخلق " وغير ذلك مما أتمه ومما لم يتمه ، قال ولما مات صلى عليه ولده أبو القاسم وغلقت الأسواق وكسر تلاميذه أقلامهم ومحابرهم وكانوا أربعمائة ومكثوا كذلك سنة وقد رثي بمراث كثيرة فمن ذلك قول بعضهم :
قلوب العالمين على المقالي وأيام الورى شبه الليالي أيثمر غصن أهل العلم يوما
وقد مات الإمام أبو المعالي
محمد بن أحمد ابن ذي البراعتين ، أبو المعالي
محمد بن أحمد ابن ذي البراعتين ، أبو المعالي .
من أهل باب الطاق ، حدث عن أبي القاسم بن بشران ، وحدث عنه شيخنا أبو القاسم السمرقندي ، وكان يتصرف في أعمال السلطان .
وقال شيخنا ابن ناصر: كان رافضيا لا تحل الرواية عنه .
توفي في رمضان هذه السنة .
محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد ، أبو علي المعتزلي
محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد ، أبو علي المعتزلي .
من الدعاة ، كان يدرس علم الاعتزال ، وعلم الفلسفة والمنطق ، فاضطره أهل السنة إلى أن لزم بيته خمسين سنة لا يتجاسر أن يظهر ، ولم يكن عنده من الحديث إلا حديث واحد لم يرو غيره ، سمعه من شيخه أبي الحسين بن البصري ، ولم يرو أبو الحسين غيره ، وهو قوله عليه السلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=653225 "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت" فكأنهما خوطبا بهذا الحديث لأنهما لم يستحييا من بدعتهما التي خالفا بها السنة ، وعارضاها بها ومن فعل ذلك فما استحيا .
ولهذا الحديث قصة عجيبة: وهو أنه رواه القعنبي عن شعبة ، ولم يسمع من شعبة غيره ، وفي سبب ذلك قولان: أحدهما: أن القعنبي قدم البصرة ليسمع من شعبة ويكثر ، فصادف مجلسه وقد انقضى ، فمضى إلى منزله فوجد الباب مفتوحا وشعبة على البالوعة ، فهجم فدخل من غير استئذان وقال: أنا غريب قصدت من بلد بعيد لتحدثني ، فاستعظم شعبة ذلك وقال: دخلت منزلي بغير إذني ، وتكلمني وأنا على مثل هذه الحال ، اكتب: حدثنا منصور ، عن ربعي ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=653225 "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت" ، ثم قال: والله لا حدثتك غيره ولا حدثت قوما أنت معهم .
والثاني: عن إبراهيم بن عبد الله الكشي قال: حدثني بعض القضاة عن بعض ولد القعنبي قال: كان أبي يشرب النبيذ ويصحب الأحداث ، فقعد يوما ينتظرهم على الباب ، فمر شعبة والناس خلفه يهرعون فقال: من هذا؟ قيل: شعبة . قال: وأي شعبة؟ قيل: محدث . فقام إليه وعليه إزار أحمر فقال له: حدثني . قال له: ما أنت من أصحاب الحديث . فشهر سكينه فقال: أتحدثني أو أجرحك . فقال له: حدثنا منصور ، عن ربعي ، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=653225 "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت" ، فرمى سكينه ورجع إلى منزله ، فأهراق ما عنده ، ومضى إلى المدينة فلزم مالك بن أنس ، ثم رجع إلى البصرة وقد مات شعبة ، فما سمع منه غير هذا الحديث .
وقال شيخنا ابن ناصر: كان ابن الوليد داعية إلى الاعتزال ، لا تحل الرواية عنه .
قال المصنف رحمه الله: قرأت بخط أبي الوفاء بن عقيل قال: جرت مسألة بين أبي علي بن الوليد وأبي يوسف القزويني في إباحة الولدان في الجنة ، أي في إمراجهم في جماعهم وإنشاء شهوتهم لذلك ، قال أبو علي بن الوليد: لا يمتنع أن يجعل من جملة لذاتهم ذلك لزوال المفسدة فيه في الجنة ، لأنه إنما منع منه في الدنيا لما فيه من قطع النسل ، وكونه محلا للأذى وليس في الجنة ذلك ، ولذلك أمرجوا في شرب الخمر لما أمن من السكر وغائلته من العربدة والعداوة ، وزوال العقل ، فلما أمن ذلك من شربها لم يمنع من الالتذاذ بها . فقال أبو يوسف: إن الميل إلى الذكور عاهة ، وهو قبيح في نفسه ، إذ لم يخلق هذا المحل للوطء ، ولهذا لم يبح في شريعة ، بخلاف الخمر ، وإنما خلق مخرجا للحدث ، وإذا كان عاهة فالجنة منزهة عن العاهات . فقال أبو علي : إن العاهة هي التلويث بالأذى ، وإذا لم يكن أذى لم يكن إلا مجرد الالتذاذ ، فلا عاهة .
قال ابن عقيل: قول أبي يوسف كلام جاهل ، إنما حرم بالشرع ، وكما عادت الأجزاء كلها لاشتراكها في التكليف ينبغي أن تعاد القوى والشهوات ، لأنها تشارك الأجزاء في التكليف ويتعصب بالمنع من قضاء أوطارها ، والممتنع من هذا معالج طبعه بالكف ، فينبغي أن تقابل هذه المكابدة بالإباحة . ثم عاد وقال: لا وجه لتصوير اللواط ، لأنه ما يثبت أن يخلق لأهل الجنة مخرج غائط ، إذ لا غائط .
توفي ابن الوليد في ليلة الأحد ثالث ذي الحجة من هذه السنة [وصلى عليه أبو طاهر الزينبي] ودفن بالشونيزية . أبو عبد الله الدامغاني -
محمد بن علي [بن محمد] بن الحسين بن عبد الملك بن عبد الوهاب بن حمويه ، أبو عبد الله الدامغاني :
ولد في ليلة الاثنين ثامن ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة بدامغان ، وتفقه ببلده ، ثم دخل إلى بغداد يوم الخميس سادس عشرين رمضان سنة تسع عشرة فتفقه على أبي عبد الله الحسين بن علي الصيمري ، وأبي الحسين أحمد بن محمد القدوري ، وسمع منهما الحديث ، وبرع في الفقه ، وخص بالعقل الوافر والتواضع ، فارتفع وشيوخه أحياء ، وانتهت إليه الرئاسة في مذهب العراقيين ، وكان فصيح العبارة ، كثير التشوار في درسه ، سهل الأخلاق ، روى عنه شيوخنا ، وعانى الفقر في طلب العلم ، فربما استضوأ بسراج الحارس .
وحكى عنه أبو الوفاء ابن عقيل أنه قال: كان لي من الحرص على الفقه في ابتداء أمري أني كنت آخذ المختصرات وأنزل إلى دجلة أطلب أفياء الدور الشاطئية والمسنيات ، فأنظر في الجزء وأعيده ، ولا أقوم إلا وقد حفظته ، فأدى بي السعي إلى مسناة الحريم الطاهري ، فجلست في فيئها الثخين ، وهوائها الرقيق ، واستغرقني النظر ، فإذا شيخ حسن الهيئة قد اطلع علي ، ثم جاءني بعد هنيهة فراش فقال: قم معي . فقمت معه حتى جاء بي إلى باب كبير وعليه جماعة حواش ، فدخل بي إلى دار كبيرة وفيها دست مضروب ليس فيها أحد ، فأدناني منه فجلست ، وإذا بذلك الشيخ الذي اطلع علي قد خرج فاستدناني منه ، وسألني عن بلدي فقلت: دامغان ، وكان علي قميص خام وسخ وعليه آثار الحبر ، فقال: ما مذهبك ، وعلى من تقرأ؟ فقلت: حنفي ، قدمت منذ سنين وأقرأ على الصميري ، وابن القدوري . فقال: من أين مؤنتك؟ قلت: لا جهة لي أتمون منها . فقال: ما تقول في مسألة كذا وكذا من الطلاق؟ وبسطني ثم قال: تجيء كل خميس إلى ها هنا . فلما جئت أقوم أخذ قرطاسا وكتب شيئا [ودفعه إلي] وقال: تعرض هذا على من فيه اسمه وتأخذ ما يعطيك . فأخذته ودعوت له ، فأخرجت من باب آخر غير الذي دخلت منه ، وإذا عليه رجل مستند إلى مخدة ، فتقدمت [إليه فقلت] : من صاحب هذه الدار؟ فقال: هذا ابن المقتدر بالله . فقال: فما معك؟
فقلت: شيء كتبه لي . فقال: بخطه ، أين كان الكاتب؟ فقلت: على من هذا؟ فقال: على رجل من أهل باب الأزج: عشر كارات دقيق سميد فائق ، وكانت الكارة تساوي ثمانية دنانير ، وكتب لك بعشرة دنانير . فسررت ومضيت إلى الرجل ، فأخذ الخط ودهش ، وقال: هذا خط مولانا الأمير ، فبادر فوزن الدنانير وقال: كيف تريد الدقيق؟
جملة أو تفاريق؟ فقلت: أريد كارتين منها ، وثمن الباقي . ففعل فاشتريت كتبا فقهية بعشرين وكاغدا بدينارين .
وشهد عند أبي عبد الله بن ماكولا قاضي القضاة في يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ، فلما توفي ابن ماكولا قال القائم بأمر الله لأبي منصور بن يوسف: قد كان هذا الرجل - يعني ابن ماكولا - قاضيا حسنا نزها ، ولكنه كان خاليا من العلم ، ونريد قاضيا عالما دينا . فنظر ابن يوسف إلى عميد الملك الكندري هو المستولي على الدولة ، وهو الوزير ، وهو شديد التعصب لأصحاب الإمام أبي حنيفة ، فأراد التقرب إليه ، فاستدعى أبا عبد الله الدامغاني فولي قاضي القضاة يوم الثلاثاء تاسع ذي القعدة سنة سبع وأربعين ، وخلع عليه ، وقرئ عهده ، وقصد خدمة السلطان طغرلبك في يوم الأربعاء عاشر ذي القعدة ، فأعطاه دست ثياب وبغلة ، واستمرت ولايته ثلاثين سنة ، ونظر نيابة عن الوزارة مرتين: مرة للقائم بأمر الله ، ومرة للمقتدي .
وكان يوصف بالأكل الكثير ، فروى الأمير باتكين بن عبد الله الزعيمي قال: حضرت طبق الوزير فخر الدولة ابن جهير ، وكان يحضره الأكابر ، فحضر قاضي القضاة محمد بن علي ، فأحببت أن أنظر إلى أكله ، فوقفت بإزائه ، فأبهرني كثرة أكله حتى جاوز الحد ، وكان من عادة الوزير أن ينادم الحاضرين على الطبق ، ويشاغلهم حتى يأكلوا ، ولا يرفع يده إلا بعد الكل ، فلما فرغ الناس من الأكل قدمت إليهم أصحن الحلوى ، وقدم بين يدي قاضي القضاة صحن فيه قطائف بسكر [وكانت الأصحن] كبارا ، يسع الصحن منها أكثر من ثلاثين رطلا ، فقال له الوزير يداعبه: هذا برسمك .
فقال: هلا أعلمتموني . ثم أكله حتى أتى على آخره .
مرض أبو عبد الله الدامغاني يوم الأربعاء سابع عشر رجب ، وكان الناس يدخلون فيعودونه إلى آخر يوم الأربعاء الرابع والعشرين من رجب ، فحجب عن الناس الخميس والجمعة وتوفي ليلة السبت الرابع والعشرين من رجب . وقد ناهز الثمانين . فنزع الفقهاء طيالستهم يوم موته ، وصلى عليه ابنه أبو الحسن ، ودفن بداره بنهر القلائين ، ثم نقل إلى مشهد أبي حنيفة .
محمد بن علي بن المطلب ، أبو سعد
محمد بن علي بن المطلب ، أبو سعد :
كان قد قرأ النحو واللغة ، والسير ، والآداب ، وأخبار الأوائل ، وقال شعرا كثيرا ، إلا أنه كان كثير الهجو ، ثم مال عن ذلك ، وأكثر الصوم والصلاة والصدقة ، وروى الحديث عن ابن بشران ، وابن شاذان ، وغيرهما ، وغسل مسودات شعره ، وأحرق بعضها بالنار ، وتوفي في هذه السنة وهو ابن ست وثمانين سنة .
محمد بن أبي طاهر ، العباسي ، ويعرف بابن الرجحي
محمد بن أبي طاهر ، العباسي ، ويعرف بابن الرجحي :
تفقه على أبي نصر ابن الصباغ وشهد عند الدامغاني وناب في القضاء فحمدت طريقته وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بمقبرة الجامع .
منصور [بن دبيس] بن علي بن مزيد
منصور [بن دبيس] بن علي بن مزيد :
توفي [وتولى الإمارة ابنه سيف الدولة صدقة] وتوفي في رجب هذه السنة .
هبة الله [بن عبد الله] بن أحمد بن السيبي ، أبو الحسن
هبة الله [بن عبد الله] بن أحمد بن السيبي ، أبو الحسن :
ولد سنة أربع وتسعين وثلاثمائة ، وسمع أبا الحسين بن بشران ، وابن أبي الفوارس ، وابن الحمامي ، وابن شاذان ، وكان مؤدبا للمقتدي ، ثم أدب أولاده .
توفي في محرم هذه السنة ، ودفن بمقبرة باب حرب ، وبلغ خمسا وثمانين سنة .
وكان ينشد من إنشائه:
رجوت الثمانين من خالقي لما جاء فيها عن المصطفى
فبلغنيها وشكرا له وزاد ثلاثا بها أردفا
وها أنا منتظر وعده لينجزه فهو أهل الوفا
أبو البركات الموسوي الشريف
أبو البركات الموسوي الشريف:
كان له نقابة المشهد بسامراء ، وكان من ظراف البغداديين وكرمائهم ، وكان يصلي عامة الليل ، وتوفي في شعبان هذه السنة ، عن ثلاثة عشر ولدا ذكرا ، وبنت واحدة .
الجهة القائمية: أم ولد القائم بأمر الله الجهة القائمية: أم ولد القائم بأمر الله ، الذخيرة والسيدة:
توفيت يوم الجمعة رابع عشرين جمادى الآخرة ، وأخرجت عشية الجمعة ، وصلى عليها ابن ابنها المقتدي بأمر الله ، وحملت في الطيار إلى باب الطاق ، فوصلت بعد عتمة ، ومشى الناس كلهم سوى الوزير إلى التربة بشارع الرصافة ، وجلس للعزاء بها ثلاثة أيام ، وكانت قد أوصت بجزء من مالها للحج والصدقات والقرب ، ويذكر عنها الصوم والصلاة والورع .
يحيى بن محمد بن القاسم ، أبو المعمر المعروف: بابن طباطبا العلوي
يحيى بن محمد بن القاسم ، أبو المعمر المعروف: بابن طباطبا العلوي :
وكان بقية شيوخ الطالبيين ، وكان هو وأخوه نسابتهم ، وكان ينزل بالبركة من ربع الكرخ ، وكان مجمعا لظراف الطالبيين وعلمائهم وشعرائهم وفضلائهم ، وكان يذهب مذهب الإمامية وقد قرأ طرفا من الأدب .
وتوفي في رمضان هذه السنة ، وهو آخر بني طباطبا ولم يعقب . أبو العز بن صدقة وزير شرف الدولة وفيها ، في جمادى الأولى ، توفي أبو العز بن صدقة ، وزير شرف الدولة ، ببغداذ ، وكان قد قبض عليه شرف الدولة وسجنه بالرحبة ، فهرب منها إلى بغداذ ، فمات بعد وصوله إلى مأمنه بأربعة أشهر ، وكان كريما متواضعا لم تغيره الولاية عن إخوانه .