ذكر
عدة حوادث
في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة قطعت الحرامية الطريق على قفل كبير بولاية حلب ، فركب آقسنقر في جماعة من عسكره وتبعهم ، ولم يزل حتى أخذهم وقتلهم ، فأمنت الطرق بولايته .
وفيها ورد العميد الأغر أبو المحاسن عبد الجليل بن علي الدهستاني إلى بغداذ عميدا ، وعزل أخوه كمال الملك على ما ذكرناه .
وفيها درس الإمام أبو بكر الشاشي في المدرسة التي بناها تاج الملك مستوفي السلطان بباب إبرز من بغداذ ، وهي المدرسة التاجية المشهورة .
وفيها عمرت منارة جامع حلب .
وحج بالناس خمارتكين . احتيال أمير المسلمين لقتل محمد بن إبراهيم الكزولي
حيلة لأمير المسلمين ظهرت ظهورا غريبا
كان بالمغرب إنسان اسمه محمد بن إبراهيم الكزولي ، سيد قبيلة كزولة ومالك جبلها ، وهو جبل شامخ ، وهي قبيلة كثيرة ، وبينه وبين أمير المسلمين يوسف بن تاشفين مودة واجتماع ، فلما كان هذه السنة أرسل يوسف إلى محمد بن إبراهيم يطلب الاجتماع به ، فركب إليه محمد ، فلما قاربه خافه على نفسه ، فعاد إلى جبله ، واحتاط لنفسه ، فكتب إليه يوسف ، وحلف له أنه ما أراد به إلا الخير ، ولم يحدث نفسه بغدر ، فلم يركن محمد إليه .
فدعا يوسف حجاما ، وأعطاه مائة دينار ، وضمن له مائة دينار أخرى ، إن هو سار إلى محمد بن إبراهيم واحتال على قتله .
فسار الحجام ، ومعه مشاريط مسمومة ، فصعد الجبل ، فلما كان الغد خرج ينادي لصناعته بالقرب من مساكن محمد ، فسمع محمد الصوت ، فقال : هذا الحجام من بلدنا ؟ فقيل : إنه غريب ، فقال أراه يكثر الصياح ، وقد ارتبت بذلك ، ائتوني به . فأحضر عنده ، فاستدعى حجاما آخر وأمره أن يحجمه بمشاريطه التي معه ، فامتنع الحجام الغريب ، فأمسك وحجم فمات ، وتعجب الناس من فطنته .
فلما بلغ ذلك يوسف ازداد غيظه ولج في السعي في أذى يوصله إليه ، فاستمال قوما من أصحاب محمد ، فمالوا إليه ، فأرسل إليهم جرارا من عسل مسموم ، فحضروا عند محمد وقالوا : قد وصل إلينا قوم معهم جرار من عسل أحسن ما يكون ، وأردنا إتحافك به ، وأحضروها بين يديه ، فلما رآه أمر بإحضار خبز ، وأمر أولئك الذين أهدوا إليه العسل أن يأكلوا منه ، فامتنعوا .
واستعفوه من أكله ، فلم يقبل منهم ، وقال : من لم يأكل قتل بالسيف ، فأكلوا فماتوا عن آخرهم .
فكتب إلى يوسف بن تاشفين : إنك قد أردت قتلي بكل وجه ، فلم يظفرك الله بذلك ، فكف عن شرك ، فقد أعطاك الله المغرب بأسره ، ولم يعطني غير هذا الجبل ، وهو في بلادك كالشامة البيضاء في الثور الأسود ، فلم تقنع بما أعطاك الله ، - عز وجل - .
فلما رأى يوسف أن سره قد انكشف وأنه لا يمكنه في أمره شيء لحصانة جبله أعرض عنه وتركه .