إعادة خطبة السلطان بركيارق ببغداذ

في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة أعيدت الخطبة للسلطان بركيارق ببغداذ .

وسبب ذلك أن بركيارق سار في العام الماضي من الري إلى خوزستان ، فدخلها وجميع من معه على حال سيئة وكان أمير عسكره حينئذ ينال بن أنوشتكين الحسامي ، وأتاه غيره من الأمراء ، وسار إلى واسط ، فظلم عسكره الناس ، ونهبوا البلاد ، واتصل به الأمير صدقة بن مزيد ، صاحب الحلة ، ووثب على السلطان قوم ليقتلوه ، فأخذوا وأحضروا بين يديه ، فاعترفوا أن الأمير سرمز ، شحنة أصبهان ، وضعهم على قتله ، فقتل أحدهم وحبس الباقون ، وسار إلى بغداذ ، فدخلها سابع عشر صفر ، وخطب له ببغداذ يوم الجمعة منتصف صفر قبل وصوله بيومين . وقطعت خطبة أخيه محمد بن ملكشاه ، وبعث إليه الخليفة هدية هائلة ، وفرح به العوام والنساء ; ولكنه في ضيق من أمر أخيه السلطان محمد لإقبال الدولة عليه واجتماعهم إليه ، وقلة ما معه من أموال ، ومطالبة الجند له بأرزاقهم

وكان سعد الدولة كوهرائين بالشفيعي ، وهو في طاعة السلطان محمد ، فسار إلى داي مرج ، ومعه إيلغازي بن أرتق وغيره من الأمراء ، فأرسل إلى المؤيد ، والسلطان محمد يستحثهما على الوصول إليه ، فأرسلا إليه كربوقا ، صاحب الموصل ، وجكرمش ، صاحب جزيرة ابن عمر ، فأما جكرمش فاستأذن كوهرائين في العود إلى بلده ، وقال إنه قد اختلت الأحوال ، فأذن له ، وبقي مع كوهرائين جماعة من الأمراء ، فاتفقوا على أن يصدروا عن رأي واحد لا يختلفون ، ثم اتفقت آراؤهم على أن كتبوا إلى السلطان بركيارق يقولون له : اخرج إلينا ، فما فينا من يقاتلك .

وكان الذي أشار بذا كربوقا ، وقال لكوهرائين : إننا لم نظفر من محمد ومؤيد ، بطائل ، وكان منحرفا عن مؤيد ، . فسار بركيارق إليهم ، فترجلوا ، وقبلوا الأرض ، وعادوا معه إلى بغداذ ، وأعاد إلى كوهرائين جميع ما كان أخذ له من سلاح ودواب وغير ذلك [تقرر وزارة العميد أبي المحاسن]

وفي ربيع الأول: تقررت له وزارة العميد أبي المحاسن عبد الجليل بن علي بن محمد الدهستاني ، ولقب بنظام الدين ، وجلس للنظر في دار المملكة ، وخرج إلى حلوان فانضاف إليه سعد الدولة وغيره ، ودخلوا معه إلى بغداد ، فخرج الموكب يتلقاه ، ثم نفذت له الخلع في يوم آخر مع عميد الدولة ، فاحتبسه عنده ، واستدعى أبا الحسن الدامغاني ، وأبا القاسم الزينبي ، وأبا منصور حاجب الباب ، وقال لهم أبو المحاسن: إن السلطان يقول لكم: قد عرفتم ما نحن فيه من الإضاقة ومطالبة العسكر ، وهذا الوزير ابن جهير قد تصرف هو وأبوه في ديار بكر والجزيرة والموصل في أيام جلال الدولة ، وجبوا أموالها ، وأخذوا ارتفاعها ، وينبغي أن يعاد كل حق إلى حقه .

فخرجوا إلى الوزير فأعلموه بالحال ، فقال: أنا مملوك ولا يمكنني الكلام إلا بإذن مولاي . فاستأذنوا في الانصراف فأذن لهم ، فعرفوا الخليفة الحال ، فكتب الخليفة إلى السلطان كتابا مشحونا بالعتب والتهديد والغلظة ، وقال فيه: فلا يغرك إمساكنا عن مقابلة الفلتات ، فوحق السالف من الآباء المتقدمين بحكم رب السماء لئن قصر في أن يعاد شاكرا وبالحباء موفورا لنفعلن! فقرئ الكتاب على السلطان ، وآل الأمر إلى أن أحضر عميد الدولة بين يدي السلطان ، ووعده عنه وزيره بالجميل ، وقال: السلطان يقول لك: إننا ثقلنا عليك كما يثقل الولد على والده لضرورات دعت ، فانطلق والأمراء بين يديه ، وصحح مائة ألف وستين ألف دينار .

التالي السابق


الخدمات العلمية