ذكر عدة حوادث
في سنة خمس وتسعين وأربعمائة، في ربيع الأول ، خرج تاج الرؤساء ابن أخت أمين الدولة أبي سعد بن الموصلايا إلى الحلة السيفية ، مستجيرا بسيف الدولة صدقة .
وسبب ذلك أن الوزير الأعز وزير السلطان بركيارق كان ينسب إليه أنه هو الذي يميل جانب الخليفة إلى السلطان محمد ، فسار خائفا ، واعتزل خاله أمين الدولة الديوان ، وجلس في داره ، فلما قتل الوزير الأعز ، عاد تاج الرؤساء من الحلة إلى بغداذ ، وعاد خاله إلى منصبه .
وفي ربيع الأول أيضا
ورد العميد المهذب أبو المجد ، أخو الوزير الأعز ، إلى بغداذ ، نائبا عن أخيه ، ظنا منه أن إيلغازي لا يخالفهم ، حيث كان بركيارق ومحمد قد اتفقا ، فقبض عليه إيلغازي ، ولم يتغير عن طاعة محمد .
وفيها في جمادى الأولى ، ورد إلى بغداذ ابن تكش بن ألب أرسلان ، وكان قد استولى على الموصل ، فخدعه من كان بها ، حتى سار عنها إلى بغداذ ، فلما وصل إليها زوجه إيلغازي بن أرتق ابنته .
وفيها ، في شهر رمضان ،
استوزر الخليفة سديد الملك أبا المعالي بن عبد الرزاق ، ولقب عضد الدين .
وفيها ، في صفر ،
قتل الربعيون بهيت قاضي البلد أبا علي بن المثنى ، وكان ورعا ، فقيها ، حنفيا ، من أصحاب القاضي أبي عبد الله الدامغاني ، وكان هذا القاضي على ما جرت به عادة القضاة هناك من الدخول بين القبائل ، فنسبوه في ذلك إلى التحامل عليهم ، فقتله أحدهم ، فندم الباقون على قتله وقد فات الأمر .
وفيها بنى سيف الدولة صدقة بن مزيد الحلة بالجامعين ، وسكنها ، وإنما كان يسكن هو وآباؤه قبله في البيوت العربية .
وفي جمادى الأولى
قتل المؤيد بن شرف الدولة مسلم بن قريش أمير بني عقيل ، قتله بنو نمير عند هيت قصاصا .
وفي ثالث المحرم قبض على أبي الحسن علي بن محمد المعروف بإلكيا الهراسي وعزل عن تدريس النظامية وذلك أنه رماه بعضهم عند السلطان بأنه باطني ، فشهد له جماعة من العلماء منهم ابن عقيل ببراءته من ذلك ، وجاءت الرسالة من دار الخلافة بخلاصه . وفي رجب قبل القاضي أبو الحسن الدامغاني شهادة أبي الحسين وأبي خازم ابني القاضي أبي يعلى بن الفراء . وفيها قدم عيسى بن عبد الله الغزنوي ، فوعظ الناس ، وكان شافعيا أشعريا ، فوقعت فتنة بين الحنابلة والأشعرية ببغداد .
وفيها وقع حريق عظيم ببغداد . وحج بالناس حميد العمري صاحب سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي ، صاحب الحلة .
[جلوس المستظهر لمحمد وسنجر]
وفي يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم: جلس المستظهر لمحمد وسنجر ، واجتمع أرباب المناصب في التاج ، ونزل كمال الدولة في الزبزب ، وأصعد إلى دار المملكة ، فاستدعاهما فنزلا في الزبزب ، وكان الطيار قد شعث وغاب ، وهو الذي انحدر فيه والدهما جلال الدولة أبو الفتح ملك شاه إلى دار الخلافة حين جلس له المقتدي بأمر الله ، وانحدر فيه طغرلبك حين جلس له القائم بأمر الله ، وهذا الطيار كان لجلال الدولة أبي طاهر بن بويه ، وأنفق عليه زائدا على عشرة آلاف دينار ، وأهداه للقائم ، وجددت عمارته في سنة سبع وأربعين ، واتسعت في أيام المقتدي ، فجددت عمارته وحط إلى دجلة ، فكان للناس في تلك الأيام من الفرجة بدجلة عجائب ثم هدم .
فنزلا في الزبزب ، فانحدرا إلى دار الخلافة ومعهما الحشر ، وقد شهروا للسلام ، وقدم لهما مركوبان من مراكب الخليفة وبين يديهما أمراء الأجناد ، وكان على كتف المستظهر البردة المحمدية وفي يده القضيب ، ودخلا فقبلا الأرض فأمر الخليفة كمال الدولة بإفاضة الخلع عليهما ، وعقد الخليفة لواءين بيده ، وكانت الخلع على محمد سيفا وطوقا وسوادا وسيفا ولواء ، وقبل بين يدي السلطان خمسة أرؤس خيلا بمراكب ، أحدها مركب صيني ، وبين يدي الآخر ثلاثة ، فوعظهما الخليفة وأمرهما بالتطاوع ، وقرأ عليهما
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [3: 103] ثم انصرفا . وفي رابع رمضان: استوزر للمستظهر أبو المعالي الأصفهاني ، وعزل في رجب سنة ست وتسعين ، واعتقل في الحبس أحد عشر شهرا ثم أطلق .
[القبض على أبي المعالي هبة الله بن المطلب]
وفي العشرين من رمضان ، قبض على أبي المعالي هبة الله بن المطلب ، ورتب مكانه أبو منصور نصر بن عبد الله الرجي ، ثم قبض عليه في السنة الآتية ، وأعيد أبو المعالي بن المطلب .
[وقوع نار بنهر معلى]
وفي ذي القعدة: وقعت نار بنهر معلى فأحرقت ما بين درب سرور إلى درب المطبخ طولا وعرضا ، وكان سببها أن بعض الكناسين وضع سراجه في أصل شريجة قصب فأكلها ، فاحترقت أموال عظيمة .
وفي ذي الحجة بعث كتاب من الخليفة إلى صدقة ، وقد لقب بملك العرب .
وفي ذي الحجة: قتل رجل امرأة لسيده الذي يخدمه على هدي منه لها ، وذلك أنها ضررته في سيده ، فقتلها وأمكنه أن يهرب فلم يفعل ، ونادى: يا معشر الناس أما فيكم من يقتلني؛ فإني قتلت هذه المرأة ولا عذر لي في مقامي بعدها ، قالوا: إنا نخاف من هذه السكين التي بيدك ، فألقى إليهم السكين ، فحملوه إلى باب النوبي ، فأقر بالقتل فأحضر زوج المرأة معه إلى رحبة الجامع ، فأعطي سيفا فضرب به رأس القاتل وأبانه أذرعا في ضربة واحدة .
[تعمير صدقة بن منصور الحلة]
وفي هذه السنة: عمر صدقة بن منصور الحلة ، وإنما كان ينزل هو وأبوه في البيوت القريبة .
وفيها جرى لجكرميش -وكان من مماليك جلال الدولة ملك شاه ، ثم صارت الجزيرة والخابور بيده- أن جماعة من السواد أتوه يشكون من عمالهم ، فعمل دعوة اشتملت على ألف رأس من الغنم والبقر وغير ذلك من الدجاج والحلواء ، ولم يحضر الخبز ، ثم دعا وجوه العسكر فعجبوا؛ إذ لم يروا خبزا ، وقالوا: ما السبب في هذا؟ فقال: الخبز إنما يجيء من الزرع ، والزرع إنما يكون بعمارة السواد ، وقد أضررتم بأهل إقطاعكم فاستغلوه الآن أنتم بتحصيل الطعام ، فعملوا بالتوصية وتابوا .
وفي هذه السنة: عم الرخص كثيرا ببغداد في الطعام وفي الفواكه .