وفاة السلطان بركيارق

في سنة ثمان وتسعين وأربعمائة ، ثاني شهر ربيع الآخر ، توفي السلطان بركيارق بن ملكشاه ، وكان قد مرض بأصبهان بالسل ، والبواسير ، فسار منها في محفة طالبا بغداذ ، فلما وصل إلى بروجرد ضعف عن الحركة ، فأقام بها أربعين يوما ، فاشتد مرضه ، فلما أيس من نفسه خلع على ولده ملكشاه ، وعمره حينئذ أربع سنين وثمانية أشهر ، وخلع على الأمير إياز ، وأحضر جماعة من الأمراء ، وأعلمهم أنه قد جعل ابنه ولي عهده في السلطنة ، وجعل الأمير إياز أتابكه ، وأمرهم بالطاعة لهما ، ومساعدتهما على حفظ السلطنة لولده ، والذب عنها ، فأجابوا كلهم بالسمع والطاعة لهما ، وبذل النفوس والأموال في حفظ ولده وسلطنته عليه ، واستحلفهم على ذلك ، فحلفوا ، وأمرهم بالمسير إلى بغداذ ، فساروا ، فلما كانوا على اثني عشر فرسخا من بروجرد وصلهم خبر وفاته ، وكان بركيارق قد تخلف على عزم العود إلى أصبهان فعاجلته منيته .

فلما سمع الأمير إياز بموته أمر وزيره الخطير المبيذي وغيره بأن يسيروا مع تابوته إلى أصبهان ، فحمل إليها ، ودفن في تربة جددتها له سريته ، ثم ماتت بعد أيام ، فدفنت بإزائه ، وأحضر إياز السرادقات ، والخيام ، والجتر ، والشمسة ، وجميع ما يحتاج إليه السلطان ، فجعله برسم ولده ملكشاه . عمره وشيء من سيرته

لما توفي بركيارق كان عمره خمسا وعشرين سنة ، ومدة وقوع اسم السلطنة عليه اثنتي عشرة سنة وأربعة أشهر ، وقاسى من الحروب واختلاف الأمور عليه ما لم يقاسه أحد ، واختلفت به الأحوال بين رخاء وشدة ، وملك وزواله ، وأشرف في عدة نوب بعد إسلام النعمة على ذهاب المهجة .

ولما قوي أمره في هذا الوقت وأطاعه المخالفون ، وانقادوا له ، أدركته منيته ، ولم يهزم في حروبه غير مرة واحدة ، وكان أمراؤه قد طمعوا فيه للاختلاف الواقع ، حتى إنهم كانوا يطلبون نوابه ليقتلوهم ، فلا يمكنه الدفع عنهم ، وكان متى خطب له ببغداذ وقع الغلاء ، ووقفت المعايش والمكاسب ، وكان أهلها مع ذلك يحبونه ، ويختارون سلطانه .

وقد ذكرنا من تغلب الأحوال به ما وقفت عليه ، ومن أعجبها دخوله أصبهان هاربا من عمه تتش ، فمكنه عسكر أخيه محمود صاحبها من دخولها ليقبضوا عليه ، فاتفق أن أخاه محمودا مات ، فاضطروا إلى أن يملكوه ، وهذا من أحسن الفرج بعد الشدة .

وكان حليما ، كريما ، صبورا ، عاقلا ، كثير المداراة ، حسن القدرة ، لا يبالغ في العقوبة ، وكان عفوه أكثر من عقوبته .

التالي السابق


الخدمات العلمية