قتال الفرنج وانهزامهم وقتل مودود
في سنة سبع وخمسمائة ، في المحرم ، اجتمع المسلمون ، وفيهم الأمير مودود بن ألتونتكين ، صاحب الموصل ، وتميرك ، صاحب سنجار ، والأمير إياز بن إيلغازي ، وطغتكين ، صاحب دمشق .
وكان سبب اجتماع المسلمين أن ملك الفرنج بغدوين تابع الغارات على بلد دمشق ، ونهبه وخربه ، أواخر سنة ست وخمسمائة ، وانقطعت المواد عن دمشق ، فغلت الأسعار فيها ، وقلت الأقوات ، فأرسل طغتكين صاحبها إلى الأمير مودود يشرح له الحال ، ويستنجده ، ويحثه على سرعة الوصول إليه ، فجمع عسكرا ، وسار فعبر الفرات آخر ذي القعدة سنة ست وخمسمائة ، فخافه الفرنج .
وسمع طغتكين خبره ، فسار إليه ، ولقيه بسلمية ، واتفق رأيهم على قصد بغدوين ، ملك القدس ، فساروا إلى الأردن ، فنزل المسلمون عند الأقحوانة ونزل الفرنج مع ملكهم بغدوين وجوسلين ، صاحب جيشهم ، وغيرهما من المقدمين ، والفرسان المشهورين ، ودخلوا بلاد الفرنج مع مودود ، وجمع الفرنج ، فالتقوا عند طبرية ثالث عشر من المحرم ، واشتد القتال ، وصبر الفريقان ، ثم إن الفرنج انهزموا ، وكثر القتل فيهم والأسر ، وممن أسر ملكهم بغدوين ، فلم يعرف ، فأخذ سلاحه وأطلق فنجا ، وغرق منهم في بحيرة طبرية ونهر الأردن كثير ، وغنم المسلمون أموالهم وسلاحهم ، ووصل الفرنج إلى مضيق دون طبرية ، فلقيهم عسكر طرابلس وأنطاكية ، فقويت نفوسهم بهم ، وعاودوا الحرب ، فأحاط بهم المسلمون من كل ناحية ، وصعد الفرنج إلى جبل غرب طبرية ، فأقاموا به ستة وعشرين يوما ، والمسلمون بإزائهم يرمونهم بالنشاب فيصيبون من يقرب منهم ، ومنعوا الميرة عنهم لعلهم يخرجون إلى قتالهم ، فلم يخرج منهم أحد ، فسار المسلمون إلى بيسان ، ونهبوا بلاد الفرنج بين عكا إلى القدس ، وخربوها ، وقتلوا من ظفروا به من النصارى ، وانقطعت المادة عنهم لبعدهم عن بلادهم ، فعادوا ونزلوا بمرج الصفر .
وأذن الأمير مودود للعساكر في العود والاستراحة ، ثم الاجتماع في الربيع لمعاودة الغزاة ، وبقي في خواصه ، ودخل دمشق في الحادي والعشرين من ربيع الأول ليقيم عند طغتكين إلى الربيع ، فدخل الجامع يوم الجمعة في ربيع الأول ، ليصلي فيه وطغتكين ، فلما فرغوا من الصلاة ، وخرج إلى صحن الجامع ، ويده في يد طغتكين ، وثب عليه باطني فضربه فجرحه أربع جراحات وقتل الباطني ، وأخذ رأسه ، فلم يعرفه أحد ، فأحرق .
وكان صائما ، فحمل إلى دار طغتكين ، واجتهد به ليفطر ، فلم يفعل ، وقال : لا لقيت الله إلا صائما ، فمات من يومه ، رحمه الله ، فقيل إن الباطنية بالشام خافوه وقتلوه ، وقيل بل خافه طغتكين فوضع عليه من قتله .
وكان خيرا ، عادلا ، كثير الخير . حدثني والدي قال : كتب ملك الفرنج إلى طغتكين ، بعد قتل مودود ، كتابا من فصوله : أن أمة قتلت عميدها . يوم عيدها . في بيت معبودها . لحقيق على الله أن يبيدها .
ولما قتل تسلم تميرك ، صاحب سنجار ، ما معه من الخزائن والسلاح وحملها إلى السلطان ، ودفن مودود بدمشق في تربة دقاق صاحبها ، وحمل بعد ذلك إلى بغداذ ، فدفن في جوار أبي حنيفة ، ثم حمل إلى أصبهان .