في هذه السنة كثر فساد التركمان أصحاب برجم الإيوائي بالجبل ، فسير إليهم من بغداد عسكر مقدمهم منكبرس المسترشدي ، فلما قاربهم اجتمع التركمان ، فالتقوا واقتتلوا هم ومنكبرس ، فانهزم التركمان أقبح هزيمة ، وقتل بعضهم ، وأسر بعض ، وحملت الرءوس والأسارى إلى بغداد . وفيها حج الناس ، فلما وصلوا إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، أتاهم الخبر أن العرب قد اجتمعت لتأخذهم ، فتركوا الطريق وسلكوا طريق خيبر ، فوجدوا مشقة شديدة ، ونجوا من العرب . وحج بالناس فيها قايماز الأرجواني . ومن الحوادث فيها :

أنه في غرة ربيع الأول ختن ولد الخليفة وختن معه جماعة من أولاد الأمراء وأعدت الخلع والتحف ولم يبق أحد من أرباب الدولة إلا وحمل من التحف كثيرا وعمل سماطا كبيرا للأمراء والأتراك في الصحراء مما يلي سور الظفرية . وخرج الخليفة في شعبان فبات في داره بالحريم الطاهري ثم سار إلى دجيل فأقام بها أياما ثم عاد إلى بغداد وخرج يوم العيد الموكب بتجمل وزي لم ير مثله من الخيل والتجافيف والأعلام وكثرة الجند والأمراء . وفي يوم الجمعة العشرين من شوال : وقع ببغداد مطر كان فيه برد مثل البيض وأكبر على صور مختلفة وفيه برد مضرس ودام ساعة وكسر أشياء كثيرة . وفيها : غرق رجل بنتا له صغيرة ، فأخذ وحبس . قال ابن الجوزي : وحججت في هذه السنة فتكلمت في الحرم نوبتين ، فلما دخلنا المدينة وزرنا قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لنا : إن العرب قد قعدوا على الطريق يرصدون الحاج ، فحملنا الدليل على طريق خيبر فرأيت فيها العجائب من الجبال وغيرها . وفيها كسر جيش مصر الفرنج بأرض عسقلان كسرة فظيعة صحبة الملك الصالح أبي الغارات ، فارس الدين طلائع بن رزيك وامتدحه الشعراء . وفيها قدم الملك نور الدين من حلب إلى دمشق وقد شفي من المرض ففرح به المسلمون ، وخرج إلى قتال الفرنج ، فانهزم جيشه ، فبقي هو وشرذمة من أصحابه في لجة العدو ، فرموهم بالسهام الكثيرة ، ثم خافوا أن يكون وقوفه في هذه الشرذمة القليلة ، خديعة لمجيء كمين إليهم ، ففروا منهزمين ، ولله الحمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية