ذكر عدة حوادث

في سنة تسع وثمانين وخمسمائة شتى شهاب الدين ملك غزنة في برشاوور ، وجهز مملوكه أيبك في عساكر كثيرة ، فأدخله بلاد الهند يغنم ويسبي ، ويفتح من البلاد ما يمكنه ، فدخلها وعاد فخرج هو وعساكره سالما ، وقد ملأوا أيديهم من الغنائم .

وفيها ، في رمضان ، توفي سلطان شاه صاحب مرو وغيرها من خراسان ، وملك أخوه علاء الدين تكش بلاده .

وفيها أمر الخليفة الناصر لدين الله بعمارة خزانة الكتب بالمدرسة النظامية ببغداد ، ونقل إليها من الكتب النفيسة ألوفا لا يوجد مثلها .

وفيها ، في ربيع الأول ، فرغ من عمارة الرباط الذي أمر بإنشائه الخليفة أيضا بالحريم الطاهري ، غربي بغداد على دجلة ، وهو من أحسن الربط ، ونقل إليه كتبا كثيرة من أحسن الكتب .

وفيها ملك الخليفة قلعة من بلاد خوزستان ، وسبب ذلك أن صاحبها سوسيان بن شملة جعل فيها دزدارا ، فأساء السيرة مع جندها ، فغدر به بعضهم فقتله ، ونادوا بشعار الخليفة ، فأرسل إليها وملكها .

وفيها انقض كوكبان عظيمان ، وسمع صوت هدة عظيمة ، وذلك بعد طلوع الفجر ، وغلب ضوءهما القمر وضوء النهار . وجرت ببغداد وفي المحرم من هذه السنة كائنة غريبة وهي أن ابنة لرجل من التجار في الطحين تعشقت لغلام أبيها ، فلما علم أبوها بأمرها طرد الغلام من داره ، فواعدته البنت ذات ليلة ، فجاء مختفيا ، فتركته في بعض الدار ، ونزل في أثناء الليل ، فقتل أباها مولاه ، وأمرته الجارية بقتل أمها ، فقتلها وهي حبلى ، وأعطته الجارية حليا بقيمة ألفي دينار ، فأصبح أمره عند الشرطة فمسك وقتل قبحه الله وإياها ، وقد كان سيده من خيار الناس ، وأكثرهم صدقة وبرا ، وكان شابا وضيء الوجه ، رحمه الله .

وفيها درس بالمدرسة الجديدة عند قبر معروف الكرخي الشيخ أبو علي النوقاني ، وحضر عنده القضاة والأعيان ، وعمل بها دعوة حافلة . وفي هذه السنة أنفذ الخليفة الناصر لدين الله العباسي إلى الشيخ أبي الفرج بن الجوزي يطلب منه أن يزيد على أبيات عدي بن زيد المشهورة ما يناسبها من الأشعار ، ولو بلغ ذلك عشر مجلدات ، وهي هذه الأبيات :


أيها الشامت المعير بالدهر أأنت المبرأ الموفور     أم لديك العهد الوثيق من ال
أيام بل أنت جاهل مغرور     من رأيت المنون خلدن أم من
ذا عليه من أن يضام خفير     أين كسرى كسرى الملوك أبو سا
سان أم أين قبله سابور     وبنو الأصفر الملوك ملوك الرو
م لم يبق منهم مذكور     وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج
لة تجبى إليه والخابور     شاده مرمرا وجلله كل
سا فللطير في ذراه وكور     لم تهبه ريب المنون فزال ال
ملك عنه فبابه مهجور     وتذكر رب الخورنق إذ أش
رف يوما وللهدى تفكير     سره حاله وكثرة ما يم
لك والبحر معرضا والسدير     فارعوى قلبه وقال وما غب
طة حي إلى الممات يصير     ثم بعد الفلاح والملك والإم
ة وارتهم هناك القبور     ثم أضحوا كأنهم ورق ج
ف فألوت به الصبا والدبور     غير أن الأيام تختص بالمر
ء وفيها لعمري العظات والتفكير

التالي السابق


الخدمات العلمية