ملك خوارزم شاه ما وراء النهر
وما كان بخراسان من الفتن وإصلاحها
في سنة أربع وستمائة عبر علاء الدين محمد بن خوارزم شاه نهر جيحون لقتال الخطا .
وسبب ذلك أن الخطا كانوا قد طالت أيامهم ببلاد تركستان ، وما وراء النهر ، وثقلت وطأتهم على أهلها ، ولهم في كل مدينة نائب يجبي إليهم الأموال ، وهم يسكنون الخركاهات على عادتهم قبل أن يملكوا ، وكان مقامهم بنواحي أوزكند ، وبلاساغون ، وكاشغر ، وتلك النواحي ، فاتفق أن سلطان سمرقند وبخارى ، ويلقب خان خانان - يعني سلطان السلاطين - . وهو من أولاد الخانية ، عريق النسب في الإسلام والملك ، أنف وضجر من تحكم الكفار على المسلمين ، فأرسل إلى خوارزم شاه يقول له : إن الله - عز وجل - قد أوجب عليك بما أعطاك من سعة الملك وكثرة الجنود أن تستنقذ المسلمين وبلادهم من أيدي الكفار ، وتخلصهم مما يجري عليهم من التحكم في الأموال والأبشار ، ونحن نتفق معك على محاربة الخطا ، ونحمل إليك ما نحمله إليهم ، ونذكر اسمك في الخطبة وعلى السكة ، فأجابه إلى ذلك ، وقال : أخاف أنكم لا تفون لي .
فسير إليه صاحب سمرقند وجوه أهل بخارى وسمرقند ، بعد أن حلفوا صاحبهم على الوفاء بما تضمنه ، وضمنوا عنه الصدق والثبات على ما بذل ، وجعلوا عنده رهائن ، فشرع في إصلاح أمر خراسان ، وتقرير قواعدها ، فولى أخاه عليا شاه في طبرستان مضافة إلى جرجان ، وأمره بالحفظ والاحتياط ، وولى الأمير كزلك خان ، وهو من أقارب أمه وأعيان دولته ، بنيسابور ، وجعل معه عسكرا ، وولى الأمير جلدك مدينة الخام ، وولى الأمير أمين الدين أبا بكر مدينة زوزن .
وكان أمين الدين هذا حمالا ، ثم صار أكبر الأمراء ، وهو الذي ملك كرمان - على ما نذكره إن شاء الله تعالى - وأقر الأمير الحسين على هراة ، وجعل معه فيها ألف فارس من الخوارزمية ، وصالح غياث الدين محمودا على ما بيده من بلاد الغور ، وكرمسير واستناب في مرو وسرخس وغيرهما من خراسان نوابا ، وأمرهم بحسن السياسة ، والحفظ ، والاحتياط ، وجمع عساكره جميعها ، وسار إلى خوارزم ، وتجهز منها ، وعبر جيحون ، واجتمع بسلطان سمرقند ، وسمع الخطا ، فحشدوا ، وجمعوا ، وجاءوا إليه فجرى بينهم وقعات كثيرة ومغاورات ، فتارة له وتارة عليه .