ذكر عدة حوادث
في هذه سنة أربع وستمائة ليلة الأربعاء لخمس بقين من رجب زلزلت الأرض وقت السحر ، وكنت حينئذ بالموصل ، ولم تكن بها شديدة ، وجاءت الأخبار من كثير من البلاد بأنها زلزلت ولم تكن بالقوية .
وفيها أطلق الخليفة الناصر لدين الله جميع حق البيع وما يؤخذ من أرباب الأمتعة من المكوس من سائر المبيعات ، وكان مبلغا كثيرا . وكان سبب ذلك أن بنتا لعز الدين نجاح شرابي الخليفة توفيت ، فاشتري لها بقر لتذبح ويتصدق بلحمها عنها ، فرفعوا في حساب ثمنها مئونة البقر ، فكانت كثيرة ، فوقف الخليفة على ذلك ، وأمر بإطلاق المئونة جميعها .
وفيها ، في شهر رمضان ، أمر الخليفة ببناء دور في المحال ببغداد ليفطر فيها الفقراء ، وسميت دور الضيافة ، يطبخ فيها اللحم الضأن ، والخبز الجيد ، عمل ذلك في جانبي بغداد ، وجعل في كل دار من يوثق بأمانته ، وكان يعطي كل إنسان قدحا مملوءا من الطبيخ واللحم ، ومنا من الخبز ، فكان يفطر كل ليلة على طعامه خلق لا يحصون كثرة .
- فجزاه الله خيرا - وهذا الصنيع يشبه ما كانت تفعله قريش من الرفادة في زمن الحج ، وكان يتولى ذلك عمه أبو طالب ، كما كان العباس يتولى السقاية ، وقد كانت فيهم السفارة واللواء والندوة ، كما تقدم بيان ذلك في مواضعه ، وقد صارت هذه المناصب كلها على أتم الأحوال في الخلفاء العباسيين ، رحمهم الله . وفيها زادت دجلة زيادة كثيرة ، ودخل الماء في خندق بغداد من ناحية باب كلواذى ، فخيف على البلد من الغرق ، فاهتم الخليفة بسد الخندق ، وركب فخر الدين نائب الوزارة وعز الدين الشرابي ووقفا ظاهر البلد ، فلم يبرحا حتى سد الخندق . فيها رجع الحجاج إلى العراق وهم يدعون الله ، ويشتكون إلى الناس ما لقوا من صدرجهان البخاري الحنفي ، الذي كان قدم بغداد في رسالة ، فاحتفل به الخليفة ، وخرج إلى الحج في هذه السنة ، فضيق على الناس في المياه والميرة ، فمات نحو من ستة آلاف من الحجيج العراقي بسببه في هذه السنة ، وكان - فيما ذكر - يسبق غلمانه إلى المناهل فيتحجرون على الماء ، ويأخذونه فيرشون حول خيمة مخدومهم في قيظ الحجاز ، ويسقون البقولات التي تحمل معه في ترابها ، ويمنعون منه ابن السبيل ، الآمين البيت الحرام ، فلما رجع مع الناس لعنته العامة ، ولم تحتفل به الخاصة ، ولا أكرمه الخليفة ، ولا أرسل إليه أحدا ، وخرج من بغداد والعامة من ورائه يرجمونه ويلعنونه ، وسماه الناس : صدر جهنم . نعوذ بالله من الخذلان .
وفيها أرسل الخليفة الشيخ شهاب الدين السهروردي وفي صحبته سنقر السلحدار إلى الملك العادل بالخلعة السنية ، وفيها الطوق والسواران ، وإلى جميع أولاده بالخلع أيضا . وفي غرة ذي القعدة شهد محيي الدين أبو محمد يوسف بن عبد الرحمن بن الجوزي عند قاضي القضاة أبي القاسم بن الدامغاني ، فقبله وولاه حسبة جانبي بغداد وخلع عليه خلعة سنية سوداء بطرحة كحلية ، وبعد عشرة أيام جلس للوعظ مكان أبيه أبي الفرج بباب بدر الشريف ، وحضر عنده خلق كثير . وبعد أربعة أيام من يومئذ درس بمشهد أبي حنيفة ضياء الدين أحمد بن مسعود التركستاني الحنفي ، وحضر عنده الأعيان والأكابر .
وفي رمضان منها وصلت الرسل من الخليفة إلى العادل بالخلع ، فلبس هو وولداه المعظم والأشرف ووزيره صفي الدين بن شكر ، وغير واحد من الأمراء الخلع السنية الخليفية ، ودخلوا إلى القلعة وقت صلاة الظهر من باب الحديد ، وقرأ التقليد الوزير وهو قائم ، وكان يوما مشهودا .
وفيها
ركبت الساعات بمئذنة العروس بالجامع الأموي ، وشرعوا في بناء الدرج التي تجاه المدرسة القيمازية .
وفيها درس الشيخ شرف الدين عبد الله بن زين القضاة عبد الرحمن بن سلطان بالمدرسة الرواحية بدمشق .
وفيها انتقل الشيخ ابن الحبير البغدادي من الحنبلية إلى مذهب الشافعي ، ودرس بمدرسة أم الخليفة ، وحضر عنده الأكابر والعلماء من سائر المذاهب .