ظهور جنكزخان وجنوده وعبورهم نهر جيحون
وفي سنة ست عشرة وستمائة عبرت التتار نهر جيحون صحبة ملكهم جنكزخان من بلادهم ، وكانوا يسكنون جبال طمغاج من أرض الصين ، ولغتهم مخالفة للغة سائر التتار ، وهم من أشجعهم وأصبرهم على القتال ،
وسبب دخولهم نهر جيحون أن جنكزخان بعث تجارا له ، ومعهم أموال كثيرة إلى بلاد خوارزم شاه يتبضعون له ثيابا للكسوة ، فكتب نائبها إلى خوارزم شاه يذكر له ما معهم من كثرة الأموال ، فأرسل إليه بقتلهم ، وبأخذ ما معهم ، ففعل ذلك ، فغضب عند ذلك جنكزخان وأرسل يتهدد خوارزم شاه ، فأشار من أشار على خوارزم شاه بالمسير إليهم ، فسار إليهم وهم في شغل بقتال كشلي خان ، فنهب خوارزم شاه أموالهم ، وسبى ذراريهم وأطفالهم ، فأقبلوا إليه محروبين ، فاقتتلوا معه أربعة أيام قتالا لم يسمع بمثله ، أولئك يقاتلون عن حريمهم ، والمسلمون عن أنفسهم ، يعلمون أنهم متى ولوا استأصلوهم ، فقتل من الفريقين خلق كثير ، حتى إن الخيول كانت تزلق في الدماء ، وكان جملة من قتل من المسلمين نحوا من عشرين ألفا ، ومن التتار أضعاف ذلك ، ثم تحاجز الفريقان ، وولى كل منهم إلى بلاده ، ولجأ خوارزم شاه وأصحابه إلى بخارى وسمرقند ، فحصنها وبالغ في كثرة من ترك فيها من المقاتلة ، ورجع إلى بلاده ليجهز الجيوش الكثيرة ، فقصدت التتار بخارى وبها عشرون ألف مقاتل ، فحاصرها جنكزخان ثلاثة أيام ، فطلب منه أهلها الأمان فأمنهم ، ودخلها فأحسن السيرة فيهم مكرا وخديعة ، وامتنعت عليه القلعة ، فحاصرها واستعمل أهل البلد في طم خندقها ، وكان التتار يأتون بالمنابر والربعات ، فيطرحونها في الخندق يطمونه بها ، ففتحها قسرا في عشرة أيام ، فقتل من كان بها ، ثم عاد إلى البلد فاصطفى أموال تجارها ، وأباحها لجنده ، فقتلوا من أهلها خلقا لا يعلمهم إلا الله عز وجل ، وأسروا الذرية والنساء ، وفعلوا معهن الفواحش بحضرة أهليهن ، فمن الناس من قاتل دون حريمه حتى قتل ، ومنهم من أسر فعذب بأنواع العذاب ، وكثر البكاء والضجيج بالبلد ، ثم ألقت التتار النار في دور بخارى ومدارسها ومساجدها ، فاحترقت حتى صارت بلاقع خاوية على عروشها ، ثم كروا راجعين عنها قاصدين سمرقند ، فكان من أمرهم . فيها ما سيأتي ذكره.