ذكر عدة حوادث

في سنة ست عشرة وستمائة، في المحرم ، انهزم عماد الدين زنكي من عسكر بدر الدين .

وفيها ، في العشرين من رجب ، انهزم بدر الدين من مظفر الدين ، صاحب إربل ، وعاد مظفر الدين إلى بلده ، وقد تقدم ذلك مستوفى في سنة خمس عشرة وستمائة .

وفيها ، ثامن صفر ، توفي قطب الدين محمد بن زنكي بن مودود بن زنكي ، صاحب سنجار ، وملك بعده ابنه شاهنشاه .

وفيها ، في التاسع والعشرين من شعبان ، ملك الفرنج مدينة دمياط ، وقد ذكر سنة أربع عشرة وستمائة مشروحا . وفيها أمر الشيخ محيي الدين بن الجوزي محتسب بغداد بإزالة المنكرات وكسر الملاهي ، ففعل ذلك هذه السنة ، ولله الحمد والمنة . وفي مستهل هذه السنة خرب سور بيت المقدس - عمره الله بذكره - أمر بذلك المعظم خوفا من استيلاء الفرنج عليه ، بعد مشورة من أشار بذلك ، فإن الفرنج إذا تمكنوا من ذلك جعلوه وسيلة إلى أخذ الشام جميعه ، فشرع في تخريب السور في أول يوم المحرم ، فهرب منه أهله خوفا من الفرنج أن يهجموا عليهم ليلا أو نهارا ، وتركوا أموالهم وأثاثهم ، وتمزقوا في البلاد كل ممزق ، حتى قيل : إنه أبيع القنطار من الزيت بعشرة دراهم ، ورطل النحاس بنصف درهم ، وضج الناس وابتهلوا إلى الله عز وجل عند الصخرة وفي الأقصى . وقال بعضهم يهجو المعظم في ذلك :


في رجب حلل المحرم وأخرب القدس في المحرم

وفيها استحوذت الفرنج ، لعنهم الله ، على مدينة دمياط ، ودخلوها بالأمان ، فغدروا بأهلها ، وقتلوا رجالها ، وسبوا نساءها وأطفالها ، وفجروا بالنساء ، وبعثوا بمنبر الجامع والربعات ورءوس القتلى إلى الجزائر ، وجعلوا الجامع كنيسة ولو شاء ربك ما فعلوه " الأنعام : 112 " .

وفيها تغيظ السلطان المعظم على القاضي زكي الدين بن محيي الدين بن الزكي قاضي البلد . وسببه أن عمته ست الشام بنت أيوب كانت قد مرضت في دارها التي جعلتها بعدها مدرسة ، فأرسلت إلى القاضي لتوصي إليه ، فذهب إليها بشهود معه ، فكتب الوصية كما قالت ، فقال المعظم : يذهب إلى عمتي بغير إذني ، ويسمع هو والشهود كلامها! واتفق أن القاضي طلب من جابي العزيزية حسابها ، وضربه بين يديه بالمقارع ، وكان المعظم يبغض هذا القاضي من أيام أبيه العادل ، فعند ذلك أرسل المعظم إلى القاضي ببقجة فيها قباء وكلوتة; القباء أبيض والكلوتة صفراء . وقيل : بل كانا حمراوين مدرنين ، وحلف الرسول عن السلطان ليلبسنهما ويحكم بين الخصوم فيهما ، وكان من لطف الله أن جاءته الرسالة بهذا ، وهو في دهليز داره التي بباب البريد وهو منتصب للحكم ، فلم يقدر إلا أن لبسهما ، وحكم فيهما ، ثم دخل داره ، واستقبل مرض موته وكانت وفاته في صفر من السنة الآتية بعدها ، وكان الشرف بن عنين الزرعي الشاعر قد أظهر النسك والتعبد ، ويقال : إنه اعتكف بالجامع أيضا . فأرسل إليه المعظم بخمر ونرد ليشتغل بهما ، فكتب إليه ابن عنين :


يا أيها الملك المعظم سنة     أحدثتها تبقى على الآباد
تجري الملوك على طريقك بعدها     خلع القضاة وتحفة الزهاد

وقد كان نواب ابن الزكي أربعة; شمس الدين بن الشيرازي إمام مشهد علي ، كان يحكم به في الشباك ، وربما برز إلى طرف الرواق تجاه البلاطة السوداء ، وشمس الدين بن سني الدولة ، كان يحكم في الشباك الذي في الكلاسة تجاه تربة الملك صلاح الدين عند باب الغزالية ، وجمال الدين المصري وكيل بيت المال ، كان يحكم في الشباك الكمالي بمشهد عثمان ، وشرف الدين الموصلي الحنفي كان يحكم بالمدرسة الطرخانية بجيرون . والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية