عدة حوادث
في سنة سبع عشرة وستمائة، في ربيع الآخر ، ملك بدر الدين قلعة تل أعفر .
وفيها ، في جمادى الأولى ، ملك الأشرف مدينة سنجار .
وفيها أيضا وصل الموصل ، وأقام بظاهرها ، . ثم سار يريد إربل لقصد صاحبها ، فترددت الرسل بينهم في الصلح ، فاصطلحوا في شعبان ، وقد تقدم هذا جميعه مفصلا سنة خمس عشرة وستمائة .
وفي المحرم منها هبت رياح ببغداد ، وجاءت بروق ، وسمعت رعود شديدة ، وسقطت صاعقة بالجانب الغربي على المنارة المجاورة لغرو معين فثلمتها ، ثم أصلحت ، وغارت الصاعقة في الأرض .
وفي هذه السنة نصب محراب الحنابلة بالرواق الثالث الغربي من جامع دمشق بعد ممانعة من بعض الناس لهم ، ولكن ساعدهم بعض الأمراء في نصبه لهم ، وهو الأمير ركن الدين المعظمي ، وصلى فيه الشيخ موفق الدين بن قدامة .
قلت : ثم رفع في حدود سنة ثلاثين وسبعمائة ، وعوضوا عنه بالمحراب الغربي عند باب الزيارة ، كما عوض الحنفية عن محرابهم الذي كان في الجانب الغربي من الجامع بالمحراب المجدد لهم شرقي باب الزيارة ، حين جدد الحائط الذي هو فيه في الأيام التنكزية ، على يدي ناظر الجامع تقي الدين بن مراجل ، أثابه الله تعالى ، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى .
وفيها قتل صاحب سنجار أخاه ، فملكها مستقلا بها الملك الأشرف بن العادل .
وفيها نافق الأمير عماد الدين بن المشطوب على الملك الأشرف ، وكان قد آواه ، وحفظه من أذى أخيه الكامل حين أراد أن يبايع للفائز ، ثم إنه سعى في الأرض فسادا في بلاد الجزيرة فسجنه الأشرف حتى مات كمدا وذلا وعريا .
وفيها أوقع الكامل بالفرنج الذين على دمياط بأسا شديدا ، فقتل منهم عشرة آلاف ، وأخذ خيولهم وأموالهم ، ولله الحمد .
وفيها عزل المعظم المعتمد مبارز الدين إبراهيم عن ولاية دمشق وولاها للعزيز خليل ، ولما خرج الحاج إلى مكة شرفها الله تعالى ، كان أميرهم المعتمد ، فحصل به خير كثير ، وذلك أنه كف عبيد مكة عن نهب الحجاج بعد قتلهم أمير حاج العراقيين آقباش الناصري ، وكان من أكبر الأمراء عند الخليفة الناصر ، وأخصهم عنده; وذلك لأنه قدم معه بخلع للأمير حسين بن أبي عزيز قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم العلوي الحسني الزيدي بولايته لإمرة مكة بعد أبيه ، وكانت وفاته في جمادى الأولى من هذه السنة ، فنازع في ذلك راجح ، وهو أكبر أولاد قتادة ، وقال : لا يتأمر عليها غيري . فوقعت فتنة أفضى الحال إلى قتل آقباش غلطا . وقد كان قتادة من أكابر الأشراف الحسنيين الزيديين ، وكان عادلا منصفا منعما ، نقمة على عبيد مكة والمفسدين بها ، ثم عكس هذا السير ، فظلم وجدد المكوس ، ونهب الحاج غير مرة ، فسلط الله عليه ولده حسنا ، فقتله وقتل عمه وأخاه أيضا ، فلهذا لم يمهل الله حسنا هذا ، بل سلبه الملك ، وشرده في البلاد ، وقيل : بل قتل كما ذكرنا . وكان قتادة شيخا طويلا مهيبا لا يخاف من أحد من الخلفاء والملوك ، ويرى أنه أحق بالأمر من كل أحد ، وكان الخليفة يود لو حضر عنده ليكرمه ، وكان يأبى من ذلك ويمتنع منه أشد الامتناع ، ولم يفد إلى أحد قط ، ولا ذل لخليفة ولا ملك ، وكتب إليه الخليفة مرة يستدعيه ، فكتب إليه :
ولي كف ضرغام أذل ببطشها وأشري بها بين الورى وأبيع تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها
وفي وسطها للمجدبين ربيع أأجعلها تحت الرحى ثم أبتغى
خلاصا لها إني إذا لرقيع وما أنا إلا المسك في كل بقعة
يضوع وأما عندكم فيضيع
وقد بلغ من السن سبعين سنة ، وقد ذكر ابن الأثير وفاته في سنة ثماني عشرة ، فالله أعلم . وفيها عاد جمع بني معروف إلى مواضعهم من البطيحة ، وكانوا قد ساروا إلى الأجنا والقطيف ، فلم يمكنهم المقام لكثرة أعدائهم ، فقصدوا شحنة البصرة ، وطلبوا منه أن يكاتب الديوان ببغداد بالرضى عنهم ، فكتب معهم بذلك وسيرهم مع أصحابه إلى بغداد ، فلما قاربوا واسط لقيهم قاصد من الديوان بقتلهم ، فقتلوا .