ذكر عدة حوادث

في سنة عشرين وستمائة كان الجراد في أكثر البلاد ، وأهلك كثيرا من الغلات والخضر بالعراق والجزيرة وديار بكر وكثير من الشام وغيرها . وفيها خرج العرب في خلق كثير على حجاج الشام ، وأرادوا قطع الطريق عليهم وأخذهم ، وكان الأمير على الحجاج شرف الدين يعقوب بن محمد ، وهو من أهل الموصل ، أقام بالشام وتقدم فيه ، فمنعهم بالرغبة والرهبة ، ثم صانعهم بمال وثياب وغير ذلك ، فأعطى الجميع من ماله ، ولم يأخذ من الحجاج الدرهم الفرد ، وفعل فعلا جميلا . وكان عنده كثير من العلوم ، ويرجع إلى دين متين . وفيها عاد الأشرف موسى بن العادل من عند أخيه الكامل صاحب مصر إلى الشام ، فتلقاه أخوه المعظم ، وقد فهم أنهما تمالآ عليه ، فبات ليلة بدمشق وسار من آخر الليل ، ولم يشعر أخوه بذلك ، فسار إلى بلاده ، فوجد أخاه الشهاب غازيا الذي استنابه على خلاط وميافارقين قد قوي رأسه ، وكاتبه المعظم وصاحب إربل ، وحسنوا له مخالفة الأشرف ، فكتب إليه الأشرف ينهاه عن ذلك ، فلم يقبل ، فجمع له العساكر ليقاتله . حادثة غريبة لم يوجد مثلها

كان أهل المملكة في الكرج لم يبق منهم غير امرأة ، وقد انتهى الملك إليها فوليته ، وقامت بالأمر فيهم ، وحكمت ، فطلبوا لها رجلا يتزوجها ويقوم بالملك نيابة عنها ، ويكون من أهل بيت مملكة ، فلم يكن فيهم من يصلح لهذا الأمر .

وكان صاحب أرزن الروم ، هذا الوقت ، هو مغيث الدين طغرل شاه بن قلج أرسلان بن مسعود قلج أرسلان ، وبيته مشهور من أكابر ملوك الإسلام ، وهم من الملوك السلجوقية ، وله ولد كبير ، فأرسل إلى الكرج يطلب الملكة لولده ليتزوجها ، فامتنعوا من إجابته وقالوا : لا نفعل هذا ، لأننا لا يمكننا أن يملك أمرنا مسلم ، فقال لهم : إن ابني يتنصر ويتزوجها فأجابوه إلى ذلك ، فأمر ابنه فتنصر ودان بالنصرانية ، وتزوج الملكة ، وانتقل إليها ، وأقام عند الكرج حاكما في بلادهم ، واستمر على النصرانية ، نعوذ بالله من الخذلان ، ونسأله أن يجعل خير أعمالنا آخرها ، وخير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم نلقاه .

ثم كانت هذه الملكة الكرجية تهوى مملوكا لها ، فكان زوجها يسمع عنها القبائح ، ولا يمكنه الكلام لعجزه ، ثم إنه يوما دخل عليها فرآها نائمة مع مملوكها في فراش ، فأنكر ذلك وواجهها بالمنع منه ، فقالت : إن رضيت بهذا ، وإلا أنت أخبر . فقال : إنني لا أرضى بهذا فنقلته إلى بلد آخر ، ووكلت به من يمنعه من الحركة ، وحجرت عليه ، وأرسلت إلى بلد اللان ، وأحضرت رجلين كانا قد وصفا بحسن الصورة ، فتزوجت أحدهما ، فبقي معها يسيرا ، ثم إنها فارقته ، وأحضرت إنسانا آخر من كنجة ، وهو مسلم ، فطلبت منه أن يتنصر ليتزوجها ، فلم يفعل ، فأرادت أن تتزوجه وهو مسلم ، فقام عليها جماعة الأمراء ، ومعهم إيواني ، وهو مقدم العساكر الكرجية ، فقالوا لها قد افتضحنا بين الملوك بما تفعلين ، ثم تريدين أن يتزوجك مسلم ، وهذا لا نمكن منه أبدا ; والأمر بينهم متردد والرجل الكنجي عندهم لم يجبهم إلى الدخول في النصرانية ، وهي تهواه .

التالي السابق


الخدمات العلمية