احتراق المشهد الذي بسامرا المنسوب إلى علي الهادي والحسن العسكري

وقد احترق في هذه السنة المشهد الذي بسامرا المنسوب إلى علي الهادي والحسن العسكري ، وقد كان بناه أرسلان البساسيري في أيام تغلبه على تلك النواحي ، في حدود سنة خمسين وأربعمائة ، فأمر الخليفة المستنصر بإعادته إلى ما كان عليه ، وقد تكلمت الروافض في الاعتذار عن حريق هذا المشهد بكلام طويل بارد لا حاصل له ، وصنفوا فيه أخبارا ، وأنشدوا أشعارا كثيرة لا معنى لها ، وهو المشهد الذي يزعمون أنه يخرج منه المنتظر الذي لا حقيقة له ، لا عين ولا أثر ، ولو لم يبن لكان أجود ، وهو الحسن بن علي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد بن الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بكربلاء ، ابن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم أجمعين ، وقبح من يغلو فيهم ويبغض بسببهم من هو أفضل منهم .

وكان المستنصر - رحمه الله - كريما حليما رئيسا متوددا إلى الناس ، وكان جميل الصورة ، حسن الأخلاق ، بهي المنظر ، عليه نور بيت النبوة ، رضي الله تعالى عنه وأرضاه . وحكي أنه اجتاز راكبا في بعض أزقة بغداد قبل غروب الشمس من رمضان ، فرأى شيخا كبيرا ، ومعه إناء فيه طعام ، قد حمله من محلة إلى محلة أخرى ، فقال : أيها الشيخ ، لم لا أخذت الطعام من محلتك؟ أو أنت محتاج فتأخذ من المحلتين؟ فقال : لا والله يا سيدي - ولم يعرف أنه الخليفة - ولكني شيخ كبير ، وقد نزل بي الوقت ، وأنا أستحيي من أهل محلتي أن أزاحمهم وقت الطعام ، وأتحين وقت كون الناس في صلاة المغرب ، فأدخل بالطعام إلى منزلي حيث لا يراني أحد . فبكى الخليفة - رحمه الله تعالى - وأمر له بألف دينار ، فلما دفعت إليه فرح الشيخ فرحا شديدا ، حتى قيل : إنه انشق قلبه من شدة الفرح ، ولم يعش بعد ذلك إلا عشرين يوما ، ثم مات فحملت الألف دينار إلى الخليفة; لأنه لم يخلف وارثا ، وقد أنفق منها دينارا واحدا ، فتعجب الخليفة من ذلك ، وقال : شيء قد خرجنا عنه لا يعود إلينا ، تصدقوا بها على فقراء محلته .

وقد خلف من الأولاد ثلاثة; اثنان شقيقان ، وهما أمير المؤمنين المستعصم بالله الذي ولي الخلافة بعده وأبو أحمد عبد الله ، والأمير أبو القاسم عبد العزيز ، وأختهما من أم أخرى كريمة ، صان الله حجابها . وقد رثاه الناس بأشعار كثيرة ، أورد منها ابن الساعي قطعة صالحة ، رحمه الله تعالى .

ولم يستوزر أحدا ، بل أقر أبا الحسن محمد بن محمد القمي على نيابة الوزارة ، ثم كان بعده نصر الدين أبو الأزهر أحمد بن محمد بن الناقد الذي كان أستاذ دار الخلافة ، والله تعالى أعلم بالصواب . وباء شديد بالعراق

ومما وقع من الحوادث في هذه السنة أنه كان بالعراق وباء شديد في آخر أيام المستنصر ، وغلا السكر والأدوية ، فتصدق الخليفة المستنصر بالله ، رحمه الله تعالى ، بسكر كثير على المرضى ، تقبل الله منه . الإذن لابن الجوزي في الوعظ باب البدرية

وفي يوم الجمعة رابع عشر شعبان أذن الخليفة المستعصم بالله لأبي الفرج عبد الرحمن بن محيي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي ، وكان شابا ظريفا فاضلا ، في الوعظ بباب البدرية ، فتكلم وأجاد وأفاد ، وامتدح الخليفة المستعصم بقصيدة مفيدة ، طويلة جليلة ، فصيحة مليحة ، سردها ابن الساعي بكمالها ، ومن يشابه أباه فما ظلم ، والشبل في المخبر مثل الأسد . وقعة عظيمة بين الحلبيين وبين الخوارزمية

وفيها كانت وقعة عظيمة بين الحلبيين وبين الخوارزمية ، ومع الخوارزمية شهاب الدين غازي صاحب ميافارقين ، فكسرهم الحلبيون كسرة عظيمة منكرة ، وغنموا من أموالهم شيئا كثيرا جدا ، ونهبت نصيبين مرة أخرى ، وهذه سابع عشر مرة نهبت في هذه السنين ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

وعاد الغازي إلى ميافارقين ، وتفرقت الخوارزمية يفسدون في الأرض صحبة مقدمهم بركات خان ، لا بارك الله فيه ، وقدم على الشهاب غازي منشور بمدينة خلاط فتسلمها وما فيها من الحواصل . عزم الصالح أيوب على دخول الشام

وفيها عزم الصالح أيوب صاحب مصر على دخول الشام ، فقيل له : إن العساكر مختلفة ، فجهز عسكرا إليها ، وأقام هو بمصر يدير مملكتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية