كتب السلطان المنصور إلى مصر وغيرها من البلاد يستدعي الجيوش لأجل اقتراب مجيء التتار; فدخل أحمد بن حجي ومعه بشر كثير من الأعراب ، وجاء صاحب الكرك الملك المسعود نجدة للسلطان يوم السبت الثاني عشر من جمادى الآخرة ، وقدم الناس عليه ، ووفدوا إليه من كل مكان ، وجاءته التركمان والأعراب وغيرهم ، وكثرت الأراجيف بدمشق ، وكثرت العساكر بها ، وانجفل الناس من بلاد حلب وتلك النواحي ، وتركوا الغلات والأموال خوفا من أن يدهمهم العدو من التتار ، ووصلت التتر صحبة منكوتمر بن هولاكو إلى عين تاب ، وسارت العساكر المنصورة إلى نواحي حلب يتبع بعضها بعضا ، ونازلت التتر بالرحبة في أواخر جمادى الآخرة طائفة من الأعراب ، وكان فيهم ملك التتار أبغا مختفيا ينظر ماذا يصنع أصحابه ، وكيف يقاتلون أعداءه ، ثم خرج الملك المنصور من دمشق وكان خروجه منها في أواخر جمادى ، وقنت الخطباء والأئمة بالجوامع والمساجد وغيرها في الصلوات ، وجاء مرسوم السلطان باستسلام أهل الذمة من الدواوين والكتبة ، ومن لا يسلم يصلب ، فأسلموا كرها ، فكانوا يقولون : آمنا وحكم الحاكم بإسلامنا . بعد أن عرض من امتنع منهم على الصلب بسوق الخيل ، وجعلت الحبال في أعناقهم ، فأجابوا والحالة هذه ، ولما انتهى السلطان الملك المنصور إلى حمص كتب إلى الملك الكامل سنقر الأشقر يطلبه إليه نجدة ، فجاء إلى خدمته ، فأكرمه السلطان واحترمه ورتب له الإقامات ، وتكاملت الجيوش كلها في صحبة الملك المنصور عازمين على لقاء العدو لا محالة مخلصين في ذلك ، واجتمع الناس بعد خروج الملك في جامع دمشق ، ووضعوا المصحف العثماني بين أيديهم ، وجعلوا يبتهلون إلى الله تعالى في نصرة الإسلام وأهله على الأعداء ، وخرجوا كذلك والمصحف على رءوسهم إلى المصلى يدعون ويبتهلون ويبكون ، وأقبلت التتار قليلا قليلا ، فلما وصلوا حماة أحرقوا بستان الملك وقصره وما هنالك من المساكن ، والسلطان المنصور مخيم بحمص في عساكر من الأتراك والتركمان وغيرهم في جحفل كثير جدا ، فأقبلت التتار في مائة ألف مقاتل أو يزيدون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

التالي السابق


الخدمات العلمية